الإمام السجاد (عليه السلام) وبلاغة الأدعية
2023/08/13
879


يُعد أُسلوب الأدعية والمناجات، الذي عمل به الإمام زين العابدين علي بن الحسين السجاد (عليه السلام) وركز عليه، من أقوى الأساليب في المواجهة الأخلاقية التي ضربت -وانهارت على إثرها- عروش بني أُمية، ويعتبر أحد الأدوار المهمة في سيرة حياته الشريفة، التي ضرب بها أفكار السلطة الحاكمة لبني أُمية التي أرادت سلخ الأمة من ثوب الإسلام الحنيف ومسخ هويتها الأصيلة.

وقد ثار الإمام السجاد (عليه السلام) بفكره وبمكانته الروحية وأثره العميق من خلال أدعيته المباركة وصلواته العجيبة.. فكانت صحيفته الأخلاقية التربوية تتميز ببلاغة الأدعية التي ذكرها (عليه السلام)، وبعمقها وتأثيرها الروحي على الواقع الاجتماعي، بحيث أحدث (عليه السلام) بسببها تغييراً أخلاقياً في المجتمع آنذاك.

ويعتبر عصر الإمام السجاد (عليه السلام) من العصور التي كثر فيها سفك الدماء والزج في السجون والثورات والتشريد والقتل على يد أبشع حكام زمانه، حيث تعرض (عليه السلام) للمضايقة والتهديد المستمر، ورغم تعرضه للعديد من المصاعب والمحن خلال حياته، إلا أنه (عليه السلام) بحكمته وصبره وحسن تدبيره للمواجهة أبدع في كتابة الدعاء والمناجاة مع الله، وأظهر قدرة فائقة على التعبير عن الأحاسيس والمشاعر الروحية في لحظات العبودية والاتصال العميق بالله سبحانه وتعالى.

وتتميز الأدعية التي كتبها الإمام السجاد بعدة جوانب:
1. العمق والمعنى الروحي: تتسم أدعيته (عليه السلام) المباركة بعمق المعاني والروحية العالية، فاستخدم الإمام (عليه السلام) لغة مؤثرة وصادقة في تعبيره عن الحاجات والآلام الروحية والمشاعر الإنسانية. وتعكس أدعيته (عليه السلام) التواصل الوثيق بين العبد والخالق، وتعزز الروحانية والتأمل.

2. الجمال اللغوي: تميزت أدعية الإمام السجاد (عليه السلام) بسمة كبيرة في استخدام اللغة العربية بشكل بديع وجميل، فاستخدم الأساليب البلاغية المتنوعة مثل: التشبيه، والاستعارة، وغيرها مما يضفي عليها جمالاً لغوياً ويجذب انتباه المستمعين والقراء.

3. تنوع المواضيع: تتناول أدعيته (عليه السلام) المباركة مجموعة متنوعة من المواضيع التي تشمل: الحمد والشكر، والاستغفار، والتوبة، والتضرع، والتوسل؛ إذ يعبر الإمام (عليه السلام) في أدعيته عن احتياجات الإنسان الروحية ويستعرض علاقته بالله من جوانب مختلفة.

4. الإلقاء القوي والتأثير: تتميز أدعيته (عليه السلام) بالإلقاء القوي والتأثير العميق، حيث أحدث (عليه السلام) أثراً كبيراً على المؤمنين من خلال أدعيته التي لامست القلوب وحركت المشاعر وعززت الاقتداء بالمثل العالي الذي يمثله.

تظل بلاغة الأدعية التي كتبها الإمام السجاد (عليه السلام) حاضرة في حياة المسلمين، وتمثل موروثاً روحياً ثميناً للتواصل العميق مع الله والتأمل والاستغفار، وتعكس تلك الأدعية عظمة شخصية الإمام (عليه السلام) في التواصل مع الله، وتعطي المؤمنين القوة والصبر والتأمل في العبودية والتواصل الروحي.

علينا أن نتدبر في تلك الأدعية والخطابات البلاغية العالية من حيث الأدب الرباني في المناجاة، ونعرف ما هو مكنون الحقوق والأخلاقيات التي تساهم في تغيير المجتمع الإسلامي نحو الأفضل، وتبني أواصر طيبة نقية بين مكوناته، مما ينتج تغيراً واسعاً ومثمراً في مستقبل الأجيال.

 

 

___________________________________
المصدر: نشرة الخميس (نشرة أسبوعية ثقافية تصدر عن قسم الشؤون الفكرية والثقافية في العتبة العباسية المقدسة)/ العدد 929.
الشيخ حسين التميمي

تحدث معنا
يمكنكم التواصل معنا من خلال التحدث بشكل مباشر من خلال الماسنجر الفوري تحدث معنا