أنسنة الإعلام
2023/05/06
502

للإعلام وظيفة إنسانية كبرى لا يجوز إغفالها، فقد وُضِع الوازع الإنساني أمام الاعتبارات الأخرى، السياسية والدينية والعرقية والاقتصادية، التي لا يمكن أن تطغى على المسألة الإنسانية مهما كانت الأسباب، وتعدّ مسألة أنسنه الإعلام الوجه الآخر لموضوع المسؤولية الاجتماعية للإعلام، بل إنّها قد تتعدّى مفهوم المسؤولية الاجتماعية، كالامتناع عمّا يضرّ الإنسان الذي هو لبنة المجتمع، إلى مقارعة الإعلام للتطرّف، والعنف الاجتماعي العرقي والديني والطائفي والعشائري.
ووقوف الإعلام إلى صفّ الإنسان أينما كان على أنّه من واجباته ووظائفه ومسؤولياته بأن يوصل الرسائل الصادقة والموضوعية والحقيقية للمجتمع، وأن يرى المسائل بعيونه، بوصفه له وظيفة مجتمعية في إدارة المجتمعات لما فيه خدمة المواطنة الفاعلة.
لقد شهدنا في مراحل سابقة غير بعيدة ضلوع بعض وسائل الإعلام في عملية إبادة جموع بشرية عبر إشعال نار الفتن والنفخ في لهيب النزاعات الطائفية والعرقية، التي انتهت بتدمير مدن بأكملها، وتهجير أهلها في ظروف إنسانية قاسية. 
فهناك إعلام ينفخ في نار الحقد ويشحن النفوس بالكراهية، مهيّئًا البيئة المناسبة للصراعات وإراقة الدماء، ومن ورائه سياسات وأهداف سياسية أو اقتصادية تُستثمر في ضعف الوعي وتجاوب الأفراد مع خطاب هذه الوسائل، من دون التفكير في ما وراءها، بينما الإعلام المؤنسن يبني الإنسان ويصوغ تفكيره ومنهج تعامله مع الوقائع، فهو الذي يشجّع الفرد على إبداء رأيه والدفاع عن حقّه في ذلك، ومن ثم يكون مرشدًا للجمهور في تكريس الفكر الديمقراطي.
التطوّر الكبير في تقنيات الاتّصال، وظهور الإعلام الإلكتروني ومن ضمنه وسائل التواصل الاجتماعي كان بمنزلة ثورة في عالم المعلوماتية، وهذه المنصّات باتت الوسيلة الأوسع انتشارًا في نقل المعلومة، والأكثر تأثيرًا في المجتمع.
إذا كان الإعلام الجديد يشمل في جانب منه إيصال مضمون وسائل الإعلام التقليدي في إطار التقنيات الحديثة، وحيث إنّ هذا الإعلام يمكن التحكّم في مضمونه باتجاه أنسنته، فإنّ الشقّ الآخر المتمثّل بوسائل التواصل الاجتماعي المتأتّي من النشر الفردي غير خاضع للضوابط، ويعاني من مشكلة الصعوبة في التحكّم بالمضمون، وهنا تبرز ضرورة وضع سياسات رسمية، وإجراءات تمنع التأثيرات السلبية للنشر الإلكتروني في الأفراد والمجتمع.

 

 

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر: مجلة رياض الزهراء (مجلة شهرية تختص بشؤون المرأة المسلمة تصدر عن قسم الشؤون الفكرية والثقافية في العتبة العباسية المقدسة/العدد 193 - ليلى ابراهيم الهر.

تحدث معنا
يمكنكم التواصل معنا من خلال التحدث بشكل مباشر من خلال الماسنجر الفوري تحدث معنا