عش حياة مستقرة
2022/12/12
1430

إنّ من أجمل الخصال التي يتحلّى بها الإنسان المؤمن هي: العفاف، الكفاف، الإنصاف..
فعندما يكون الخوف من الله في مقدمة حسابات المرء، فإن الله يعصمه من الخوف ويؤمنه في الدنيا وفي الآخرة من كل ما يروّعه، يعصمه من الانبهار من زخرف الدنيا وما فيها، ويعصمه من طمع النفس وأهوائها، ويبعده الله عن ظلم شانئيه وعن بخس حقوق الناس، ويكون في حصن الله، لأن "من خاف الله أخاف الله منه كل شيء، ومن لم يخف الله أخافه الله من كل شيء" وهذا كما قال الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام)..

إذاً الشعور بالأمن وتبدّد الخوف أمر مهم في استقرار حياة الإنسان من ناحية شخصية ومن ناحية اجتماعية..
وهنا حقيقتان على المستوى الشخصي وعلى المستوى الاجتماعي، الخوف من الحرمان الشخصي يؤدي بالإنسان إلى الشره والطمع، وبالتالي عدم الاستقرا، أما الخوف من الحرمان الاجتماعي يؤدي به إلى الظلم والجور، وبالتالي عدم الاستقرار أيضا.. ولكن كيف يكون ذلك؟

نقرا في الدعاء: "اَللّهُمَّ زَيِّنّي فيهِ بِالسِّتر وَالْعَفافِ، واسترني فيهِ بِلِباسِ الْقُنُوعِ وَالْكَفافِ"، فالعفاف هو كفُّ النفس عن المحرمات وعن الشره في الإقبال على الأشياء، ومقدمة العفاف أن تعتبر مجرّد الستر زينة وبغض النظر عن نوعه وعن ثمنه، فالفقير عندما يشعر بأن الله زيَّنَهُ بزينة الستر فلا يطلق العنان لنفسه بالاستحواذ على الأشياء مهما كلّف الأمر، ولا يسأل الناس الحاجة، ولذلك قال الإمام علي (عليه السلام):- "العفاف زينة الفقر"، ولذلك عندما تراه تحسبه غنياً جرّاء تعفّفه، وقد قال القرآن الكريم عن بعض الفقراء في عهد النبي الاكرم(صلى الله عليه وآله):- "يَحْسَبُهُمُ الجاهل أَغْنِيَاء مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيماهم لاَ يَسْأَلُونَ النَّاسَ الحافا"، فالعفاف هو عامل من عوامل الاستقرار الشخصي الذي يكبح النفس عن انفلاتها غير المحدود وغير المحسوب..

"وَاسْترني فيهِ بِلِباسِ الْقُنُوعِ وَالْكَفافِ"، وعندما يصل مستوى الإنسان إلى أن يعتبر القناعة والكفاف لباساً يواريه عن الحاجة إلى الناس ويكفّه عن النظر إلى ما عند غيره، فإنه يكون عفيفاً قانعاً بما أعطاه الله تعالى..
ومنشأ عدم العفة وعدم القناعة هو الخوف من عدم الكفاية والخوف من الجوع والخوف من الحرمان، وإذا نزع هذا الخوف وآمن بالله وبما قسم له الله تعالى، يكون عفيفاً.. فإنك تكون مستقراً في حياتك الشخصية عندما تتحلى بالعفاف والقناعة، لأن الخوف سوف يتبدّد من حياتك، ولن تشعر إلا بالاطمئنان..
ولقد جاء عن الإمام أمير المؤمنين (سلام الله عليه) في هذه الحقيقة قوله:- "أصل العفاف القناعة وثمرتها قلّة الأحزان"، وفيما يبدوا أنك إن تحلّيت بصفة العفاف فإنك ستصبح قنوعاً، والعكس كذلك، لأن القناعة كنز واسع والعفاف مفردة من مفرداته ونتيجة من نتائجه ولهذا جاءت الأقوال عن الإمام علي (سلام الله عليه) لتعلن هذه الحقيقة، حيث قال أيضا:- "أصل العفاف القناعة "..
وقال كذلك:- "الرضا بالكفاف يؤدي إلى القناعة"..
وقال أيضا:- " ثمرة العفة القناعة".


اما الاستقرار الاجتماعي فلكي يكون المجتمع مستقرّاً لابد أن يعم فيه العدل، وكلٌّ يأخذ حقه من الثروات وحقه من الأفعال، ولا يتعدّى على حق أحد آخر، لأن ذلك التعدّي يكون ظلماً للآخر، وعندما يعيش الناس سواسية في الحقوق والواجبات يكون ذلك بداية لعمارة البلاد وتقدّمها، وقد قال مولانا الإمام علي (عليه السلام) :- "ما عمرت البلدان بمثل العدل"..
وجاء في الدعاء:- "وَاحْمِلْني فيهِ على الْعَدْلِ وَالإِنْصافِ،وَآمِنّي فيهِ مِنْ كُلِّ ما أَخافُ"، فعندما يحلّ العدل في المجتمع سيعيش الناس حياة الأمان وسيتبدّد الخوف، وإنَّ أفضلَ علاجٍ تتمكَّن من خلاله من مراعاة حقوق الآخرين هو أن تضع نفسك مكان غيرك، فتنظر هل تحبُّ أن يظلمك الآخرون، أو أن يكون حقَّك مهضوما؟! لا شكّ في أنَّ النفس تأبى ذلك، فعليك أن تأبى لغيرك ما تأباه لنفسك..
كما أن العاقل هو الذي يسلك هذا السبيل، فقد ورد في الرواية عن الإمام الجواد (عليه السلام):- "حسب المرء من عقله إنصافه من نفسه ومن إنصافه قبوله الحقَّ إذا بان له"، كما أنّ الإنصاف يصبح أكثر أهميّة وأكثر إكراماً للإنسان إذا كان عن مقدرةٍ، ففي الرواية عن أمير المؤمنين (عليه السلام):- "زكاة القدرة الإنصاف"..


وللإنصاف آثار على حياة الإنسان في هذه الدنيا وردت بها الروايات، كالألفة بين الناس لأنّ الناس تميل إلى من يُراعي حقها..
واستدامة المحبَّة فإنّ المحبَّ لك يدوم حبّه متى شهد منك إحقاقك لحقّه..
ودوام القدرة، فإنَّ الله لا يدع الظالم غير المنصف للناس على حاله من القوّة والقدرة بل بالعدل يكون دوام السلطان..
وعلينا أن نعلمَ أنَّ فوق الإنصاف مرتبةٌ أخرى هي الإيثار وأنَّ على الإنسان أن يكون من المؤثرين على أنفسهم حتَّى وإن كان يعيش الحاجة، كما نزلت الآية بحقّ أهل بيت العصمة والطهارة:- ﴿وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ﴾.

 

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر: إذاعة الكفيل - برنامج تجليات الروح الدورة الــ 69 - الحلقة الثانية عشر.

تحدث معنا
يمكنكم التواصل معنا من خلال التحدث بشكل مباشر من خلال الماسنجر الفوري تحدث معنا