معاشرتك للناس باب أمل
2022/11/23
608

خصّ الله عزَّ وجلَّ شهره الكريم بآداب معينة وهي أمور مطلوبة في نفسها ولكنّها تتأكّد أكثر في هذا الشهر الكريم ومن هذه الآداب تكريم اليتيم، ففي خطبة الرسول صلى الله عليه وآله في استقبال شهر رمضان: "وتحنَّنوا على أيتام الناس يُتحنّن على أيتامكم".. والتحنّن على الأيتام لا يكون مادّيا فقط، كما يتعامل به الناس في هذا اليوم، بأن يبذل له المال، ويعتبر أنّه بذلك قد أدّى ما عليه، بل التحنّن هو درجة أعلى، إنّها شمول اليتيم بعطفك أيّها الصائم، أن تجعله يعيش معك فرحة الصيام في هذا الشهر..
فنحن جميعاً نعيش في هذا الشهر الكريم في داخل بيوتنا ضمن أجواء خاصّة يفرضها هذا الشهر الكريم علينا، فتَملأ البيوت حالة من الفرح والسرور والاجتماع على مائدة الإفطار، واليتيم يعيش وحده، نعيش نحن مع الآباء والأمّهاتُ نلجأ إليهم، ونجتمع بهم، واليتيم يفتقد لهذا الأمر، فلا يجد أباً يحنّ عليه في هذا الشهر الكريم، فما أجمل أن تستضيف كلُّ عائلةٍ من عوائلنا أيتاماً في هذا الشهر الكريم، فبهذا يصدق التحنّن على الأيتام
.

ومن وصايا مولى الموحدين أمير المؤمنين (عليه السلام): "الله الله في الأيتام فلا تغبّوا أفواههم، ولا يضيعوا بحضرتكم، فقد سمعت رسول الله، يقول: "من عال يتيماً حتى يستغني أوجب الله عز وجلّ له الجنة كما أوجب لآكل مال اليتيم النار"..
وعن رسول الله صلى الله عليه وآله: "إن في الجنة داراً يقال لها دار الفرح لا يدخلها إلا من فرّح يتامى المؤمنين".. فيمكنك أن تفتّش عن الأيتام أو تزور داراً للأيتام لتقوم بإعالتهم والتحنّن عليهم، فإن حنانك هذا يؤهلك لنيل حنان الله تعالى، ولذلك جاء في الدعاء: (اَللّهُمَّ ارْزُقْني فيهِ رَحْمَةَ الاْيْتامِ)..

فضلا عن ذلك اخواتي إنَّ المودَّة والرحمة التي جعلها الله بين المؤمنين فقال تعالى: ﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ﴾، فلا تقتصر على قضاء الحوائج وإعانة الملهوف فحسب بل تتمثَّل أيضاً بالمظاهر التي تعكس روح الإلفة والمودّة بينهم، وفي هذا الدعاء إشارةٌ إلى مظهَرين من ذلك وهما إطعام الطعام، وإفشاء السلام..
ونحن نعلم أنَّ من المستحبّات المؤكّدة في هذا الشهر الكريم إطعام المحتاجين، والعمل في سبيل تحقيق ذلك الهدف، لكي لا يجوع محتاج، ولكي يتكامل المجتمع بتكافله وتعاضده، فقد قال تعالى عن صفات المتقين: (وفي اموالهم حق للسائل والمحروم) الذاريات:19، فالعطاء من الصفات المهمة التي تنبئ عن معدن نفس الإنسان الكريم، وعدم شحّه وأنانيته، فإن إطعامك الطعام يعني أنك خرجت من دائرة الاهتمام الذاتي وتوسّعت نحو الاهتمام بالمجتمع، وكما شملت الآخرين بعطائك فإن الله يشملك بعطائه وقد ورد عن الامام علي بن الحسين (عليه السلام) قال: "من أطعم مؤمنا من جوع أطعمه الله من ثمار الجنة ومن سقى مؤمنا من ظمأ سقاه الله من الرحيق المختوم ومن كسا مؤمنا كساه الله من الثياب الخضر"، وإذا عجز الإنسان عن الإطعام فإنَّ ذلك لا يكون عذراً، بل عليه اللجوء إلى أمرٍ آخر وهو إفشاء السلام، فسلّم على كلِّ من تلقاه فإنَّ ذلك من موجبات المودّة أيضاً، ففي الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وآله: "ألا أخبركم بخير أخلاق أهل الدنيا والآخرة؟
قالوا: بلى يا رسول الله..
فقال: إفشاء السلام في العالَم.
فإن إشاعة السلام تعني إشاعة روح الأمن والمودة بين الناس، فالتحية تؤثر تأثيراً كبيراً على النفوس، وإذا طابت النفوس طاب التعايش بين الناس.. فالتحية هي نوع من العطاء المعنوي، كما أن الإطعام عطاء مادي يعني عدم أنانيتك، كذلك بذل السلام فيعني كرمك من هذا الجانب، لذلك ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله: "إن أبخل الناس من بخل بالسلام".

إنَّ حياة الإنسان تتأثّر بالمحيط الذي يعيش به، فمن أعظم المخاطر التي تُحيط بالإنسان فتُبعده عن الله مصاحبة أهل السوء، ففي الرواية عن الإمام علي (عليه السلام): "صحبة الأشرار تكسب الشرّ، كالريح إذا مرّت بالنتن حملت نتنا"..
وحيث كان خطر ذلك عظيماً كان الحثُّ من الروايات على حُسن اختيار الصاحب والرفيق، وعِظَم هذا الأمر يجعل الإنسان يلجأ إلى الله من خلال الدعاء بأن يرزقه صحبة الكرام.. فمن هم هؤلاء الكرام؟ وما هي صفاتهم؟
إذا كنت ممَّن يبحث عن الآخرة، ويطلب رضا الله فعلاً، فإنّ عليك أن تُصادق من تفتخرُ بصداقتك معه لأنّه ممَّن يحمل هذه الصفات أيضاً، فعن الإمام الصادق عليه السلام: "اصحَبْ مَن تتزين به".. ومن جهة أخرى فإن هذه الصحبة إنما هي تكثيف للجماعة المؤمنة التي تشكل المجتمع الإسلامي الأفضل، والتجمّع الإيماني يشجّع بعضه البعض على فعل الخيرات، وكل من يصحب الكرام يكون منهم، ذلك عندما يتأثر بهم، وقد جاء عن الرسول صلى الله عليه وآله: "أسعد الناس من خالط كرام الناس".. فتعزيزك لهذه الفئة الكريمة من الناس بصحبة الكرام تتأهل لتستظل تحت ظل الله تعالى، لتكون في مأمن لا خوف عليك ولا حزن.

 

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر: إذاعة الكفيل - برنامج تجليات الروح الدورة الــ 69 - الحلقة الثامنة.

تحدث معنا
يمكنكم التواصل معنا من خلال التحدث بشكل مباشر من خلال الماسنجر الفوري تحدث معنا