عواقب أفعال السوء
2022/11/22
1002

كما ترتبط الطاعة والمعصية بأسبابَ مادّية ومُغريَات دنيويّة، كذلك ترتبط بأسباب غيبيّة، فالعاصي شخصٌ خذله الله، فاستحقَّ نقمة الله وعذابه.. ولا يتحقق الخلاص إلّا بالتوسّل بإحسان الله..
فإذا أردت أيها الإنسان الأمان من تقلّبات الزمان وتبدّل الأحوال ومن عواقب الأفعال ومرديات السيئات، فلا بد لك من التسامي القلبي نحو الله حباً فيه عز وجلّ، ليكون حب الله هو منتهى طلبتك وغاية رغبتك..
ولكن ما هو الدليل على أن منتهى رغبتك هو الله؟
دليل الرغبة أن لا تعلو رغبة دنيوية فوق رغبتك في الله تعالى، والرغبة في الله هي التزام سبيله وصراطه المستقيم، والامتثال لأوامره مهما تعارضت مع لذّة حاضرة أو رغبة عاجلة.. و
لا تكفي قدرة الإنسان على اجتناب المعاصي أو أداء الطاعات ليكون من المحسنين الصالحين، فإنَّ هذه القدرة موجودة حتَّى لدى الكافر والفاسق، ولكنَّ الله عزَّ وجلَّ يخصُّ المؤمن بالتوفيق وهو المعنى المقابل للخذلان، وهذا التوفيق هو الذي يجعله مؤمناً مطيعاً، وتشرح لنا الرواية عن الإمام الكاظم عليه السلام لرجل سأله: أليس أنا مستطيع لما كُلِّفت؟
فقال عليه السلام: ما الاستطاعة عندك؟
قال: القوّة على العمل..
وأجابه عليه السلام: قد أُعطيت القوّة إن أُعطيت المعونة.
قال له الرجل: فما المعونة؟
فأجاب الإمام: التوفيق.
ثم قال الرجل: فلم إعطاء التوفيق؟
قال: لو كنت موفَّقا كنت عاملا، وقد يكون الكافر أقوى منك ولا يُعطى التوفيق فلا يكون عاملا.

وعندما تقدّم على الله تعالى رغبة أخرى فإنّك ستتعرض لنتائج أفعالك من العواقب السلبية في الدنيا وفي الآخرة، لأن كل ما يصيب الإنسان من مصائب ومشكلات فهي نتيجة فعله، وهذه سنة إلهية، حيث قال عز وجل: (وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ) الشورى:30.
وقد يتلقّى الإنسان بعض العواقب وتحلّ عليه بعض النقم نتيجة أفعاله السيئة، إلا أن ذلك ليس نهاية المطاف، لأنه قد يبتلى بالسخط الإلهي عليه، وتستمر العواقب وتستحكم على كافة جوانب حياته، فيعيش في داومّتها، ويصعب عليه التخلّص منها، لهذا يرفع يديه بالدعاء قائلاً: "وَزَحْزِحْني فيهِ مِنْ مُوجِباتِ سَخَطِكَ" والزحزحة أن يبعد عنها بعجلة وبسرعة.

إن الله تعالى قد أهلك أقواماً بذنوبهم، كما قال عز وجلّ:(كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذَّبُواْ بآيَاتِ رَبِّهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُم بذُنُوبِهِمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَونَ وَكُلٌّ كَانُواْ ظالمين) الأنفال:54. وقد ورد عن مولانا الإمام الباقر (سلام الله عليه): " إن العبد يسأل الله الحاجة فيكون من شأنه قضاؤها إلى أجل قريب أو إلى وقت بطيء فيذنب العبد ذنباً فيقول الله تبارك وتعالى للملك لا تقض حاجته واحرمه إياها، فإنه تعرّض لسخطي واستوجب الحرمان منّي".

فكيف لنا نحن المذنبون أن نكون في أمانٍ من سياط النقمة الإلهيّة؟
إنَّ أوّل أبواب ذلك هو السعي لاجتناب المعاصي، وتربية هذه النفس على الطاعة لله عزَّ وجلَّ، ولكنّ هذا الدعاء يفتح لنا باباً آخر، إنَّه التوسّل والتمسّك بصفة الإحسان الإلهيّ، فمن الأسماء الإلهيّة الحسنى صفة "المنّان"، وهذه الصفة هي التي يعلِّمنا الإمام زين العابدين (عليه السلام) في دعاء السحَر التمسّك بها إذ يقول: "اللّهمَّ أنت القائلُ، وقَولُك حقٌ ووعدُك صدق، واسألوا اللهَ من فضلِه إنَّ الله كان بكلّ شيء عليماً، وليسَ من صفاتِكَ يا سيّدي أن تأمرَ بالسؤال وتمنعَ العطيّة، وأنت المنّان بالعطيّات على أهلِ مملكتك، والعائدُ عليهم بتحنُّنِ رأفتك"..
ولذا لا ينبغي للإنسان أنْ يَعيش اليأس من المغفرة الإلهيّة مهما وصلت به الذنوب، ولذا قرن الله عزَّ وجلَّ في كتابه بين الرحمة والغضب، قال تعالى: ﴿وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقَابِ﴾.

 

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر: إذاعة الكفيل - برنامج تجليات الروح الدورة الــ 69 - الحلقة السادسة.

تحدث معنا
يمكنكم التواصل معنا من خلال التحدث بشكل مباشر من خلال الماسنجر الفوري تحدث معنا