الماء الجاري والساكن
2022/09/26
419

قال تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ} [الأنبياء: 30].
الماء سر الوجود، سر الحياة، سر البقاء، في كل تفصيل من حياتنا نجد الماء، نجد هذا الخلق العظيم الذي اختصر الله تعالى وصفه بالآية السابقة، {كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ}، وهو تأكيد رباني أنّ كل ما يحيطنا من وجود فأصل الحياة فيه هو الماء.
من جميل صفة الماء الجريان، تراه حين يجري بوادٍ أو بنهر، صافٍ من شوائب الطريق، فهو وإن اختلط به شيءٌ من الأوساخ والأحجار فإنّ سيره وجريانه الدائم سرعان ما يصفّي هذه الأوساخ والأحجار رويداً رويداً، بحركة إصلاحية لنفسه رائعة تشعرك بقوته وحيويته، فيصبح أكثر نفعاً لحياة الناس ولإصلاحها، فقد غدا نقياً.
ولمن يلاحظ، فإنّ الشوائب سرعان ما تقف جانباً وكأنها لا تقدر على مقاومة قوة الماء، فقد وُجدت لكي تُعكر صفو مسيره، تغير لونه، طعمه، شكله، في هدف خبيث كي يصبح ضرراً من بعد فائدة، لكنها لم تقدر عليه فركنت نفسها جانباً تعبة مرهقة خاسرة خائبة، يركلها كل موج صغير قادم وهي لا تقوى على الحراك.
ثم إنّ الماء إن استوى على الأرض بلا حراك في مستنقع صفته الركود، يحيطه فراغٌ رهيب يسعى لإضعاف قوته، فلا يمارس دوره في جريان الحياة، تحاصره الشمس الرهيبة من فوقه بقوتها ومغرياتها كي يصعد تاركاً هدفه! أيام وأيام يبقى على حاله هذه لا حراك فيه، فيبدأ (ذلك) الماء النقي يتغير لونه، ثم شكله، ثم تخرج منه روائح نتنة، وتبدأ الطفيليات تستوطن محيطه بشكل جنوني، ثم يصبح من بعد النقاء كريهاً عفناً لا يطاق. حتى أنه يصبح مرضاً لا شفاء.
هذا حال الماء فكيف بالإنسان، عندما يركن للفراغ في حياته، فيفقد مهمة وجوده من الخير إلى الشر، ومن سعادة الناس إلى شقائهم، بل يفقد نفسه ويغيّر من معالم صفاته أو صفات مهمته.
الفراغ السلبي قاتل لدرجة أنك لا تدرك كيف يقتلك!، ولكن تأكد أن أعظم الرجال تسقط في الفراغ، ويكفيك قول الرسول الأعظم(ص): «خصلتان كثير من الناس مفتون فيهما: الصحة والفراغ» (الخصال: ص35).

 

___________________________________
المصدر: نشرة الخميس/ نشرة أسبوعية ثقافية تصدر عن قسم الشؤون الفكرية والثقافية في العتبة العباسية المقدسة- العدد 743.
منتظر علي

تحدث معنا
يمكنكم التواصل معنا من خلال التحدث بشكل مباشر من خلال الماسنجر الفوري تحدث معنا