الانفاق مما تحبون
2021/12/28
788

إن الإنفاق هو إحسان من المعطي إلى الفقير وتعاطف بين أفراد المجتمع والله من وراء القصد يرعى هذه الأريحية ويبارك هذه الصفقات الخيرة 
وإذا كان الأمر كذلك فمن الأفضل أن يقدم المحسن أطيب ما عنده إلى الفقير، وليس من اللائق أن يعطيه من الرديء ليتخلص منه 
 الرديء الذي إذا قبضه الفقير قبضه وهو يغمض عينيه ويطرق برأسه، والرديء الذي لو كان المعطي يريد بيعه لما اشتراه منه أحد إلا بأقل من ثمنه. 
 هذا الرديء هل يصلح ان يقدم هدية إلى الله وتقرباً لنيل مرضاته؟ 

وهل بهذا النوع يرجو المعطي ان تكون صفقته مع الله تجارة لن تبور؟ 

وهل أن هذا الرديء هو الذي يأمل المعطي أن يأخذه لله منه قبل أن يأخذه الفقير؟ 

إنها تساؤلات لا بد للمنفق أن يجيب عليها أو يتأملها قبل أن يقدم النوع الرديء من المال إلى الفقير. 

ولذلك نرى الآية الكريمة تحدد أبعاد نوعية ما يعطيه المحسن إلى المحتاجين: (يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه واعلموا أن الله غني حميد). 

وقد جاء في سبب نزول هذه الآية أن قوماً من الأنصار في المدينة كانوا يأتون بالحشف من التمر فيدخلونه في تمر الصدقة الجيد فنزلت الآية تنهاهم عن ذلك. 

والمهم هو إن هذه الرواية تعطينا أن الإنفاق بعدما كان تضميداً لجراح الفقير، ومواساة له في محنته، فإن الخُلق الرفيع يقتضي أن تكون هذه المواساة على النحو الأحسن لتثمر وتؤثر أثرها الطيب في نفوس الضعفاء والمحرومين ليشعر كل فرد منهم بالعطف والمشاركة لهم في الطيب من العيش لا للتخلص من هذا الذي قدم لهم. 

فإن شعور الفقير بأن ما دفعه إليه المحسن من النوع الرديء إنما كان للتخلص من رداءته ليترك في نفسه الأثر السيء إزاء المنفق الذي بدل المفاهيم الخيرة واعلموا أن الله غني حميد، نعم فهو غني عما تقدمونه للفقير تقرباً له وحصولاً لمرضاته ، ولكنه ـ في نفس الوقت ـ حميد يشكركم علىعطائكم لو أعطيتم، ولكن هذا الشكر إنما يكون لو أعطيتم، ولو كان ما قدمته لوجهه من طيب ما تقدمونه.

 ثم يعقب القرآن الكريم لينبه المنفقين بأن هذه الحالة التي تساوركم في دفع الرديء إنما تنشأ من حرصكم على المال وحبكم في المحافظة عليه ولذلك تأبى نفوسكم أن تقدموا الشيء الجيد لئلا تذهب خيار أموالكم فتصبحون معدمين فقراء وهذه وساوس شيطانية لا أساس لها فإن من قدم لله فعليه جزاؤه ، ومن كان جزاؤه على الله فكيف يخشى الفقر؟

وتدلل الآيات على ذلك بإجراء مقارنة بين وعدين أحدهما صادر من الشيطان والآخر من الله سبحانه وكم بين الوعدين من الفرق.. 
 الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلاً والله واسع عليم
فالشيطان هنا يوحي بأن إعطاء المال الجيد، أو مطلق بركم وإنفاقكم في سبيل الله يؤدي بكم بالنتيجة إلى الفقر.  ويأمركم بالفحشاء أي المعاصي والرذائل ، وقيل بالإنفاق من الرديء وسماه فحشاء، لأن فيه معصية الله حيث أنه لم يخرج مما عينه الله له فإن الغني إذا ترك الإنفاق على ذوي الحاجات من أقرابه وجيرانه ، وبقية أفراد المجتمع أدى ذلك إلى التقاطع ، وكل تركٍ لحقوق الله هو من الفحشاء، وبذلك تنتهي وعود الشيطان ومغرياته. 

 والله يعدكم مغفرة منه وفضلاً: وها هما وعدان من الله تقررهما الآية الكريمة لمن ينفق عن طيب نفس ويخرج من جيد ماله لينعش به ذوي الدخل المحدود. 
 أحدهما: أخروي

  والآخر : دنيوي

أما الأخروي: فهو الوعد بالمغفرة للذنوب وبذلك ينال المنفق الجنة.
وأما الدنيوي : فهو الفضل أي ويعدكم أن يخلف عليكم ما أنفقتموه ويتفضل عليكم بالزيادة. 

فلنقارن اذاً بين الوعدين:  الله يعد بالفضل والزيادة.  والشيطان يعد بالفقر. 

والله يعد بالمغفرة رحمة منه.  والشيطان يأمر بالفحشاء والرذيلة.

وليقف الإنسان ويخير نفسه بأي من هذين الوعدين يأخذ؟. 

 إنه الوعد المشرق من الله الذي يفتح أمام المنفق النوافذ العريضة ليطل منها على مغفرة الله وآيات فضله. 

 والوعد القاتم الكئيب من الشيطان، الذي يغلق في وجه المنفق كل الأبواب التي يرجوا أن يدخل منها إلى ساحة الله المقدسة لينعم بآلائه وألطافه. 

والله واسع عليم: وهنا تختم الآية الكريمة المقارنة بين الوعدين : وعد الله ووعد الشيطان بهذا العتاب الرقيق، وان الله واسع، فلماذا الخوف من الفقر وتصديق الشيطان بما يخوفهم به، والله واسع في عطيته، وإنه إذا وعد وفى؟ وحتى إذا لم يعد فهو الرازق، وهو الرحيم وهو الودود وإذا صدر منه الوعد فإنما ليطمئن الإنسان بأنه سيلقى الجزاء، بأحسن وبأكثر مما يتصوره المنفق فلا حاجة لوعد الله بعد أن علم الإنسان أن مصدر العطاء هو الله سبحانه وأن لطفه ورحمته لا يختصان بفئة دون فئة وقد جاء في الأخبار بأن رحمة الله يطمع فيها يوم القيامة حتى إبليس وهو أبغض الخلق إلى الله عز وجل. 
 وأخيراً أيتها الأخوات فإنه مضافاً إلى سعة عطاء الله فإنه: عليم 
 عليم بكل شيء، ولا تخفى عليه خافية، ومن ذلك ما يدفعه الإنسان ويقدمه في سبيله وطلباً لجلب مرضاته، أو للرياء والسمعة والتقرب إلى الناس . 
 وعليم بمن يدفع الرديء عن قلة يد وعدم وجود أحسن منه، أو للتخلص منه مع وجود الأحسن منه. 

 

 

 

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر: برنامج ترانيم الغدق-الحلقة الخامسة-الدورة البرامجية66.


 


تحدث معنا
يمكنكم التواصل معنا من خلال التحدث بشكل مباشر من خلال الماسنجر الفوري تحدث معنا