الإنفاق في وجوه البر المختلفة
2021/12/17
790

 لقد أمر الله تعالى عباده المؤمنين بالإنفاق في وجوه البر المختلفة، طاعةً لله تعالى، وعوناً للفقير والمسكين، وتوثيقاً للروابط والصلات بين أفراد المجتمع، حتى يعمّ الرخاء ويسود الود بين الناس فيعيشون متحابين لا يحسد بعضهم بعضاً،  ولا يحقد أحدٌ على أحد.

وبيَّن القرآن الكريم أن المال مال الله، وأن الإنسان مستخلف فيه، فأمرهم أن ينفقوا مما هم مستخلفين فيه، فقال تعالى: (وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيه)

والله سبحانه يثيب المنفق ثواباً عظيماً، ويضاعف أجره إلى سبعمائة إلى أكثر من ذلك: (مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِئَةُ حَبَّةٍ وَاللهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ).

وضرب الله تعالى مثلاً آخر لثواب المنفق في سبيله بجنة بربوة تثمر في كل حين وإنتاجها مضاعف على مختلف الأحوال إذا أصابها مطر غزير أثمرت ثمراً مضاعفاً وإذا أصابها مطر قليل أثمرت كذلك، فكذلك إنفاق المؤمن في سبيل الله صدقته رابحة بإذن الله في كل حال من الأحوال قليلة كانت أو كثيرة.  فلا يحسب أحدٌ أن الإنفاق مطالب به الأغنياء دون الفقراء، ولكنه ميدان يتنافس فيه من يطلب مرضاة الله تعالى ويرجو ثوابه، وأما التسويف في الإنفاق  فهو أمر مذموم حذر منه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لأن الإنسان لا يأمن الموت ولا يأمن العوائق.

ووجوه البر كثيرة: منها الإنفاق على ذوي القربى، واليتامى، والمساكين، والسائلين، وفي الرقاب، والغارمين  وفي سبيل الله، وابن السبيل.

والقدر المطلوب من الإنفاق بعد الزكاة الواجبة التي بيَّن الشرع نصابها هو ما فضل عن الحاجة من طيب المال من غير تبذير ولا تقتير؛ فالمعنى: أنفقوا ما فضل عن حوائجكم ولم تؤذوا فيه أنفسكم فتكونوا عالة، وحذر تعالى من الإمساك؛ فالإمساك فيه ضيق العيش والفقر وغضب الرب تعالى؛ فالبخيل  متلف لا محالة، بزوال ماله أو نفسه قصة أصحاب الجنة: ومما قصَّ القرآن من عاقبة البخل أصحاب الجنة وهم إخوة ورثوا بستاناً عن والدهم واتفقوا أن لا يعطوا منه مسكيناً فدمره الله وهم نائمون.

نعم  لقد أمر الله عزَّ وجل عباده المؤمنين بإنفاق الطيبات والتقرب إليه تعالى بأفضل ما يملكون لأن الله هو الغني الحميد، والمال مال الله ونعمه جعله مستخلف عليها، فينبغي أن يؤدي شكرها، وينفق الطيب منها ولا ينفق الخبيث الرديء، ولو أعطي الإنسان المال الخبيث أيرضى أن يأخذه؟

لا يرضى إلا بالاغماض والتساهل وإمضاء الأمر مع معرفة عيبه، فكيف يرضى لغيره ما لا يرضى لنفسه؟ وبيَّن الله تعالى أن الشيطان هو الذي يحرض على الشح ويأمر بانفاق الخبيث: فالشيطان يخوفكم الفقر، فيثير في نفوسكم الحرص والشحَّ والتكالب، والشيطان يأمركم بالفحشاء، وخوف الفقر كان يدعو القوم في جاهليتهم إلى وأد البنات وهو فاحشة، والحرص على جمع الثروة كان يؤدي ببعضهم إلى أكل الربا وهو فاحشة.

وحين يعدكم الشيطان الفقر ويأمركم بالفحشاء، يعدكم الله المغفرة والعطاء، (وَاللهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا)..

وفي الوقت نفسه أرشد القرآن إلى طريقة الانفاق وهي التوسط فلا يقتِّر ولا يبذّر، ولا يبخل فيمسك، ولا ينفق كل ما عنده فيفقر ويضيع ماله. قال تعالى: (وَآَتِ ذَا القُرْبَى حَقَّهُ وَالمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا إِنَّ المُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً)  وقد أمر الله تعالى بالتمتع بالطيبات من غير إسراف، وما أراد الإسلام بالانفاق مجرد سد الخلة، وملء البطن، كلا مستمعاتنا ! وإنما أراده تهذيباً وتذكية وتطهيراً لنفس المعطي واستجاشة لمشاعره الإنسانية وارتباطه بأخيه الفقير، وتذكيراً له بنعمة الله عليه، وعهده عليه أن يأكل منها في غير سرف ولا مخيلة، وأن ينفق منها في سبيل الله في غير منع ولا منّ.

وأما صاحب الكلمة الطيبة والقول المعروف، إذا أعطى جمع من المحسنين الكلمة الطيبة، والصدقة الخالصة من المن والأذى، وإذا لم يعط كان له أجر التصدق بالكلمة الطيبة، بل هو خير عند الله من المنفق المنّان.

وضرب الله تعالى مثلاً لمن أبطل صدقته بالمنِّ والأذى، وبالنفاق والرياء، ولم يرد وجه الله تعالى، ضرب لهم مثلاً بالحجر الذي عليه تراب فلما أصابه المطر أزال ما عليه من التراب وتركه أملس لا شيء عليه، وكذلك هذا المرائي فإنَّ نفقته لا تنفعه كما لا ينفع المطر الواقع على الصفوان الذي عليه  تراب. وضرب القرآن مثلاً آخر لبطلان صدقة المنان والمرائي برجل له ذرية ضعفاء وقد أصابه الكبر وهو في حاجة إلى ما يعول به ذريته، ولا يملك سوى حديقة فهو في أشدِّ الحرص عليها فأتتها نار أحرقتها فتلك حال المرائي والمنان، ويشمل الانفاق ايضا على الذي تلزمه نفقتهم من زوجة وأولاد ووالدين عند حاجتهما.

والإنفاق على الزوجة يبدأ من الصداق، وهو أول حق للمرأة على زوجها، أمر الرجاء بأدائه، وحذر من أكله إلا عن طيب نفس من المرأة. قال تعالى: (وَآَتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا).

 

 

 

 

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر: برنامج ترانيم الغدق-الحلقة الرابعة-الدورة البرامجية66.


 

 

تحدث معنا
يمكنكم التواصل معنا من خلال التحدث بشكل مباشر من خلال الماسنجر الفوري تحدث معنا