الوقت هو الحياة *
2019/11/15
968

تمرّ الأيام مرّ السحاب، وتجري جري الرياح كأنها السيل الجارف، ونحن في غفلة وسبات، تتسرب الفرص الثمينة من بين أيدينا في الحياة من دون استثمار وربّما كانت غرساً مثمراً للآخرة ستؤتي أكلها بعد حين.

ممّا لاشك فيه أنّ القرآن الكريم قد اعتنى بالوقت عن طريق قسم الله تعالى بأوقات معينة منه في بعض السّور، مثل: (الفجر، والضحى، والعصر، والنهار، والليل)، مؤكداً أنّ على أهمية ذلك وعظيم أثره.

أكدت السنة النبويّة المباركة على قيمة الوقت أيضاً، وعلى عمر الإنسان وفيما قضاه، ومسؤوليّته عن ذلك حيث قال نبيّ الأمّة(ص وآله): " لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يُسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه، وعن حبنا أهل البيت"(1)

الوقت هو الحياة، وكلّما مرّ يوم فإنّ عمرنا ينقص، وعلينا أن نعي هذا لنجتهد في استثماره لعمل الخير واكتساب العلم والأمور التي نؤجر عليها في الآخرة، فماذا لو سألنا أنفسنا سؤالاً مهماً، ماذا لو كان هذا آخر يوم لنا في الحياة؟ وماذا لو بالفعل اكتشفنا أنّ أمامنا شهراً فقط لنعيشه؟ فما هي الأمور التي لها الأولويّة في إنجازها؟ ومع من سنقضي تلك الأيام وكيف سنقضيها؟

كلّنا نعلم أنّ الرسول(ص وآله) لحظة وفاته أسرّ للزهراء(ع) بأنها أول أهل بيته(ع) لحوقاً به، فاستبشرت وهذا يعني أنها تيقنت أنّ أيامها في الحياة معدودة، مع هذا كيف قضت أيامها؟ وما الأمور التي كانت من أولوياتها؟

الجهاد والمطالبة بالحقوق المسلوبة في الخلافة والولاية وفدك، ودفاعها عن تركة أبيها في الدين والمحافظة عليها من الاندثار، وحفاظها على حجابها وعفّتها حتى في أضنك الظروف، ودفاعها عن ابن عمّها وإمامها وأبي أولادها بأن احتجّت على القوم بالخطب والبكاء، هذه كانت أولويّاتها.

قضت أيام حياتها الشريفة في خدمة زوجها وأولادها وهي عليلة مريضة، لكنها لم ولن تتخلى عن دورها  كزوجة وأم، إضافة إلى عدم إخلالها بعبادتها، واستثمرت كلّ لحظة من وقتها كما هي طوال حياتها الماضية مابين واجباتها البيتية والعبادية، فلم تستسلم للحزن والجزع لتترك عبادتها وحزنها على فقد أبيها وغدر القوم وإنكار الوصية، ولم يكن حزنها على ما تبقى من عمرها القصير.

السّيّدة الزهراء(ع) في سنوات حياتها القليلة الوضّاءة لم تقضِ وقتها في ملذّات الحياة والسعادة الزائفة الزائلة، بل إنما جعلت اتجاهها ومطالبها أخرويّة للمحافظة على الدين لا الدنيا، ولم تتمسك بالدنيا إلى آخر لحظة من حياتها، فاستثمارها للوقت كان منظماً، ولكلّ دور من حياتها وقت خاص بحيث لا يؤثّر أحدها في الآخر، هكذا هي سيّدة نساء العالمين من الأولين والآخرين.
















ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) المصدر: مجلة رياض الزهراء (عليها السلام)/ مجلة شهرية تصدر عن شعبة المكتبة النسويةفي العتبة العباسية المقدسة/ العدد105-  ليلى ابراهيم الهر.
(1) ميزان الحكمة: ج1، ص622.

تحدث معنا
يمكنكم التواصل معنا من خلال التحدث بشكل مباشر من خلال الماسنجر الفوري تحدث معنا