الشخصية النرجسية
2019/11/30
1278

النرجسية مصطلح يطلق على الانسان الذي يرى نفسه مختلفاً عن الآخرين وأفضل منهم، فيصل به الاعجاب بنفسه وذاته الى درجة تمحى بها صور الآخرين من ذهنه، فهو مصطلح نفسي يستخدمه علماء النفس كثيراً ويعود المصطلح لقصة خيالية لشخص أعجب بنفسه حد الجنون، واستخدم هذا المصطلح نفسياً في القرن التاسع عشر ارتباطاً بقصة الشاب الجميل، وما بعد القرن العشرين تطور المصطلح كثيراً وكتبت حوله مؤلفات ومقالات عدة، ترجع مشكلة هذه الشخصية الى الوهم الذي يعيشه الانسان فيرى نفسه فريداً من نوعه ولا يوجد احد افضل منه ولا حتى يشبهه في شيء، وتختلف النرجسية من شخص لأخر، فتأخذ درجات مختلفة، فاذا كانت في الصناعة يرى نفسه الصانع الاول ولا مثيل له، واذا كانت في السلوك والاخلاق فانه يرى نفسه مستقيماً، لكن أخطر لون للنرجسية عندما تكون في الافكار والمعتقدات فان صاحبها يرى نفسه صاحب فكر متين لا يرقى اليه أحد، واذا استمر في هذا التفكير فانه يصل به الى ان يدعي لنفسه مقاماً سامياً، كادعاء فرعون للألوهية وآخرين للنبوة وبعض الجهلة لمقام الامامة، والى هذه اللحظة ترى أمثال هؤلاء يدعون ما ليس لهم.

رغم أن المصطلح خاص بعلم النفس، ويُعتبر المصاب به مريضاً وله علاجه الخاص بالدواء والسلوك، إلا أننا عندما نتحدث عن الشخصيات المتعددة لا ينبغي لنا أن نترك الحديث عن هذه الشخصيات الخطرة، هذا الاشتهار عند علماء النفس فهل يشتهر هذا المصطلح في الدين أيضاً؟ المسألة ليست محصورة بالمصطلحات والمسميات بقدر الحقائق والواقع، فإن المصطلح وأن لم يُذكر دينياً الا أن الدين كشف عن مرحلة يصل بها الانسان الى مستويات خيالية ليس لها واقع، لكن الدين أطلق على مثل هذه الشخصية باسم المتكبر أو الفخور، وحذرَ الدينُ الانسانَ من هذا السلوك اشد التحذير، حيث وردتالنصوص الناهية في القرآن الحكيم والسنة الشريفة، ومما جاء في القرآن الكريم: ﴿ولا تُصَعِّرْ خَدَّكَ للِناَّسِ وَلا تَمشِْ فِي الْأرَْضِ مَرَحًا إنَِّ اللهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ) وقوله تعالى: ﴿فَادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَى المتَكَبِّرِينَ﴾ وقد تكررت هذه الآية أكثر من مرةٍ في الكتاب العزيز، وفي نفس الموضوع حيث تُقرر بأن جنهم مثوى لمن تكبر فان الكِبر تترشح منه شبكات ضلال وطغيان، أحدها أن ينكر الانسان أي دين أو أي رسالة ونبي، فانه يرى نفسه أعلى من الآخرين، ويُشكل القياسات التي يستمدها من الشيطان الرجيم الملهم الاكِ للمتكبر، وهنالك مفردات كثيرة تندرج تحت عنوان التكبر بالمفهوم الذي نريده، كالزهو والاستطالة والخَيْلاء والاختيال والغُرُوُر والغطرسة والعُجُب والأُ ةَهب، وهنالك فوارق دقيقة بين كل واحدة من هذه الصفات، وكلها صفات سلبية مذمومة لا ترفع الانسان الى مقام محمود، ولا تبني له شخصية مهذبة متكاملة.

كما إن شخصية المتكبر بجميع مراحلها ومعانيها وفي أعلى مراحلها هي نفسها النرجسية التي تشتهر بين الناس، لانطباق مواصفات النرجسية مع الشخصية المتكبرة الى درجة التمام في الانطباق؛ لان المتكبر يرى الناس اقل منه وهو افضلهم في كل شيء حتى يصل به الامر إلى انهم لا يفهمون شيئاً وهو يفهم كل شيء او انهم ليسوا بالمستوى الذي وصل اليه، فلا يرى غير نفسه، وفيه درجات مختلفة تبعاً لكل شخصية، فهنالك من تنمو بداخله شجرة التكبر فتقتل بظلالها شجرة التواضع، وهنالك من تضعف في داخله شجرةالتكبر، فتنمو شجرة التواضع، فالناس في هذه الصفة درجات، لكن اعلى درجات التكبر يوصل الانسان لمصطلح النرجسية، مضافاً الى التمسك بالثقافة المغلوطة، وانتعاش الانسان وسعادته بغروره الذي يحيط به من كل جانب الى ان يصل به الى مستويات غريبة؛ لان الغرور وهم وليس حقيقة، فيبقى يعيش ذلك الانسان بالوهم والخيال بعيداً عن الواقع، ويرسم بمخيلته اشياء كبيرة،ويضع نفسه على كرسي العظمة دون أن ينافسه أحد، واذا كبرت هذه الصفات بداخله وطغت فإنها ستكون أكثر تماسكاً ولا يمكن التخلص منها بسهولة.

بداية خاطئة:

تبدأ النفس بالغرور والغطرسة والانتعاش والرفاهية اذا وجدت المحفزات والمؤثرات التي تمدها، فدلال الابوين لابنهم بصورة زائدة عن الحد الطبيعي يولد في نفسه مفاهيم كثيرة، ويلمس الوالدان ذلك بصورة صريحة عندما يصل الولد الى سن المراهقة، فأي شيء يطلبه يجده امامه، فالأم حريصة جداً على مشاعره، واذا اخطأ لا توبخه كثيراً، ويشعر بانه افضل من الآخرين حتى وانأخطأ، هذا السلوك يبقى معه وينمو بداخله الى أن يصل مرحلة يسفه الآخرين ويعتبر نفسه في غاية الكمال، لا سيما اذا كان جميلاً وغنياً، فالجرعات التربوية والسلوكيات التي كان يتعلمها كل يوم اسباب رئيسة في الشعور بالعظمة، وهذه الحالات والصفات في نماء مستمر بلا توقف؛ لأن الانسان يحب ان يفتخر ويتميز عن الآخرين، والعظمة اشهر المميزات والفوارق بين البشر وبقية الاشياء تأتي تبعاً، وهنالك عوامل أخرى في ظهور العظمة والتفرد في الذات، لأن هذا الشعور لا يأتي دون أسباب، فقد يرى بساطة من حوله وتميزه عن الآخرين فيتشكل في داخله حب نفسه وآرائه وقلة حجم الآخرين ومنتوجاتهم في نظره، ويعد هذا العامل من أهم الاسباب التي تنتج لنا الشخصية النرجسية، ومجمل الاسباب هي بدايات غير صحيحة تكون مقدمة للابداع او الرقي لكنها تؤثر سلباً في النهاية.

كيف نتَخَلَّصْ من النرجسية

يمكن لنا أن نتخلص من النرجسية وتصبح شخصيتنا جميلة وسالمة من أي مرض، لكن ذلك يتطلب منا العمل الجاد وبذل الجهد المناسب، فأشهر طرق التخلص من النرجسية هي:

1- الاعتقاد بالخلاص واليقين بالفوز، فان الاعتقاد بالخلاص من النرجسية أمرٌ في غاية الاهمية لما للاعتقاد من دور مهم في اثبات عزيمة الانسان، فاذا كانت النرجسية مرضاً نفسياً فعلاجه بتحويل هذا المرض الى حالة صحية إيجابية، ومبدأ الاعتقاد يساعد كل انسان على التخلص من اي مشكلة تواجههُ أو الفوز بأصعب الأشياء والنجاح في اشد الاختبارات.

2- قراءة ما كتب عن الشخصية النرجسية بإمعان ودقة، لا سيما طرق التخلص والعلاجات، والتقييمات المختلفة، وسلبية النرجسية، فإن هذه العوامل تولد في النفس قناعة جيدة في ترك النرجسية والتحول عنها.

3- معرفة آراء الآخرين بالشخصية النرجسية وقراءة كلماتهم ومعرفة توجيهاتهم لا سيما اذا كانوا متخصصين في هذا المجال؛ لأن الانسان اذا انكشف له رأي الجميع بأي قضية فانه يشعر بالضغط وبالتالي يهرب من الانتقادات والكلمات المحرجة.

4- التحلي بالتواضع وهو ضد التكبر، فان النرجسية ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالتكبر والغرور، فاذا تخلى الانسان عن تلك الصفات السلبية ذهبت عنه النرجسية بكل سهولة، فكلما كان الانسان متواضعاً ازداد بذلك بعداً عن النرجسية، وكلما تقبل الناس آراءهم وكلماتهم ابتعد عن النرجسية، فالجميع يعلم بهذه الاشياء لكن قد يغفل احدنا عن ارتباط الغرور والتكبر بالنرجسية.

5- معرفة سوء عاقبة النرجسية، فإن جهنم هي النهاية، والخسران المبين في الدنيا والآخرة، فكل واحد يستطيع أن يبحث عن الشخصيات النرجسية ويتأمل في حركاتها وما نتج منها وكيف سقطت في مستنقع الضلال والخسران.


 

 

 

 

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 
سلسلة الشخصية الناجحة(اختر شخصيتك)- تأليف: حسن علي الجوادي/ من إصدارات قسم الشؤون الفكرية والثقافية في العتبة العباسية المقدسة 
 ص106-113

تحدث معنا
يمكنكم التواصل معنا من خلال التحدث بشكل مباشر من خلال الماسنجر الفوري تحدث معنا