لم تكن مولاتنا العقيلة زينب (عليها السلام) امرأة عادية.. إنَّما كانت مشروعًا مخططًا ومدبرًا لهُ تدبيرًا إلهيًا.. وذلك نجده في مواطن عديدة واجهتها هذه السيدة الجليلة، سواء في العراق أم في الشام.
ونستلهم ذلك عبر ما أوردته في خطبٍ لها (عليها السلام)، ومنها: خطبتها في الشام في قصر الطاغية يزيد، إذ وجّهت خطابها إليه بصورة مباشرة، فقالت: «فكِدْ كيدك، واسْعَ سعيك، وناصِبْ جُهدَك، فواللهِ لا تمحو ذِكْرَنا، ولا تُميت وحْيَنا، ولا تدرك أمدنا، ولا ترحض عنك عارها، ولا تغيب منك شنارها، فهل رأيك إلَّا فند، وأيامك إلَّا عدد، وشملك إلَّا بدد. (مقتل الحسين (عليه السلام)، للخوارزمي: ج٢/ص٧٣).
وهناك مخططات أفشلتها السيدة زينب (عليها السلام) نجدها مخبوءة بين ثنايا هذه الخطبة عندما قالت: «فوالله لا تمحو ذكرنا»، أي: إنَّ لهذا الطاغية أهدافًا دفينةً، سواء أفصح عنها أم لم يفصح عنها، إلَّا أنَّها (عليها السلام) نشرتها أمام الملأ وفتحت أبواب أهدافه على مصراعيها؛ ليرى الناس أية حماقة يمتلك هذا الطاغية ليحاول اقتلاع الدين ومحوه من الوجود.
وما جاء هذا الهدف من الطاغية إلَّا من أصلٍ له؛ إذ إنَّ أباه معاوية طالما أفصح عن معدنه وهدفه باقتصاص جذور النبوة والإمامة وبنصِّ كلامٍ لهُ، إذ قال: (...إن ابنَ أبي كبشة ليُصاح به كلَّ يوم خمس مرات، (أشهد أنَّ محمدًا رسول الله)، فأيُّ عمل يبقى؟ وأيُّ ذكر يدوم بعد هذا؟ لا أبًا لك، لا والله إلَّا دفنًا دفنًا!) (الأخبار الموفقيات، لزبير بن بكار: ص٥٨٤).
فهذه الشجرة الخبيثة التي لُعنت في القرآن الكريم ووصفها بالشجرة الملعونة وبزيادة الطغيان، وهذا ما حصل بوجود هذه الشجرة، إذ إنَّ ثلاثة من أصحاب الكساء المطهَّرين قُتلوا على يد هذه الشجرة الخبيثة.
ولذلك، فهذه السيدة العظيمة (عليها السلام) لم تكن مجرد أُخت لسيد الشهداء (عليه السلام) أو كفيلة لعياله فحسب، بل كانت امتدادًا لخط النبوة ومعدن الرسالة، فهي (عليها السلام) العالمة غير المعلَّمة، والفهمة غير المفهمة، والمدركة لحجم الدمار الذي كان سيصيب الدين عند سكوتها، لذلك أبت إلَّا أن تكون ضمن حلقة الناطقين، والامتداد لسيد الشهداء (عليه السلام) على مرِّ العصور.
البعد الاجتماعي والإعلامي لزيارة الأربعين