الخجل في حياة الفتيات
2019/10/15
4573

يعد الخجل صفة محببة في البنات بصفة عامة، والخجل الاجتماعي ظاهرة اجتماعية، وخاصة في مرحلة المراهقة، عندما يجدن أنفسهن في الأماكن العامة أو في اجتماعات عمل أو مقابلة رسمية، غير أنَّ الخجل النفسي مسألة أخرى، حيث أنَّ هذا النوع من الخجل قد يؤثر تأثيراً كبيراً في السلوك والشخصية، وإذا كان الخجل الاجتماعي يمكن أن يتلاشى مع مرور الزمن، فإنَّ الخجل النفسي يبقى عنيفاً ومتشبثاً، وقد لا يمكن التخلص منه إلا ببذل جهد كبير، والتدريب على اكتشاف أو سبر أعماق النفس.

وفي مرحلة المراهقة تبدأ الاضطرابات النفسية المختلفة لدى المراهق سواء كان الذكر أم الأنثى، ففي الوقت الذي يتصف سلوكهم وتعاملهم مع الآخرين بالوداعة والحلم نجدهم في ذات الوقت حادِّي الطباع ويغضبون عند أدنى إثارة، وعليه فإنَّ مرحلة المراهقة هي أكثر مراحل الحياة تأزماً والتعامل معها أصعب وأشق بالنسبة لأولياء الأمور، وتبقى المسألة الأهم هي تغافل الآباء والأمهات للأشياء التي يعونها، ومن هنا فإنَّ أولياء الأمور جميعاً يدركون ضرر البيئات الاجتماعية المنحرفة، ويعرفون جيداً أنَّ هناك أشخاصاً فاسدين ومفسدين وفي جميع المجتمعات يتعرضون إلى الآخرين، ومع ذلك لا تأخذ هذه المسألة موقعها الحقيقي من الاهتمام علاوة على تجاهل الآباء للأبناء أنفسهم، فلا يولوهم الاهتمام المطلوب، ويبرز هذا الإهمال والتجاهل تحت عناوين مختلفة كصعوبة الحياة وظروف العمل القاسية وغيرها من الأمور، والتي وإن كانت صحيحة إلا أنَّها لا تصح أن تكون مبرراً لتجاهل الأبناء والتقصير في تربيتهم ورعايتهم وتنشئتهم النشأة السليمة الصالحة.

وتلعب العاطفة دوراً هاماً في حياة المراهقات، حيث أنَّ النمو العضوي المتسارع لدى الفتاة في هذه المرحلة من العمر، يرافقه نشاط فطري وغريزي من نوع آخر، فتحرك العواطف والمشاعر في مجال جديد يترك آثاره على طبيعتها وسلوكها بشكل يضع أولياء الأمور أمام واقع جديد، فإنَّ الفتاة في مرحلة المراهقة تمر بدور النضج والنشاط العاطفي الخاص، حيث تغادر الفتاة تعلقها بوالديها وتتجه بعواطفها واهتماماتها إلى بنات سنها، وإلى أبناء الجنس الآخر، وإلى الحياة الزوجية.

ومن العلامات البارزة في مرحلة المراهقة سرعة التبدل العاطفي، حيث تبدو الفتاة المراهقة قلقة وغير مستقرة نفسياً على حال أو لون معين، في الوقت الذي يكون فيه أعضاء هذه الفئة العمرية مسرورين يمكن أن تتغير هذه الحالة ليحل محلها الغم والهم لأتفه الأسباب، فتارة يحبون بشدة وأخرى يكرهون بشدة، كما أنَّه وقبل أن تتمركز عواطف الفتاة المراهقة وتستقر حول الطرف الآخر، فإنَّها تتعرض إلى نوع من القلق والاضطراب الممزوج بالحيرة.
وحول التصرفات السلوكية للمراهق فإنَّ فريقاً من الخبراء والمتخصصين يرون أنَّ مرحلة المراهقة واحدة من أكثر مراحل الحياة تأزماً، وقد شبهوها بالعاصفة العاتية وقالوا: «إنَّ هذه العاصفة تهز المراهقة هزاً عنيفاً إلى درجة يمكن معها القول أنَّها تعيش خلالها حالة من القلق والاضطراب والحيرة الشديدة، ولذلك فإنَّ التوجه أو السلوك الذي يتحرك بدوافع العواطف والأحاسيس وخاصة فيما إذا كانت تلك التصرفات السلوكية غير منضبطة وليس لها إطار محدد هو السبب الحقيقي في حصول الكثير من المشاكل الأخلاقية.

والحقيقة إنَّ ما درجت عليه الأعراف، هو أنَّ الأبناء يطيعون أوامر الوالدين قبل سن المراهقة، ويبدون خضوعهم التام وعدم إبداء ما يدل على الرفض والمقاومة وحتى في حالة تعرضهم إلى الضرب والعقاب من قبلهما، إلا أنَّ ما تواجهه الأسرة في مرحلة المراهقة في سلوك الفتاة هو أنَّ الفتاة المراهقة تعد نفسها قد كبرت ولا تفرق عن والدتها في شيء، ولا بدَّ أن تكون المعاملة معها على نحو آخر، لذا فإنَّها لا تعد أوامر ونواهي الوالدين على أنَّها مسلمات يجب الالتزام بها، وإنَّما تعمل فيها فكرها، وتتخذ القرار التي تقتنع فيه وإن كان متعارضاً مع رأي الوالدين.

والواقع إنَّ سلوك الفتاة المراهقة ينتظم ويتشكل بالتدريج ويتجه نحو مدارج النضوج والاكتمال إلا أنَّ الوصول إلى هذا الهدف يتطلب فترة زمنية أولاً، وصبر وتحمل أولياء الأمور ثانياً، ويستحدث لدى الفتاة في سن المراهقة خاصة في سن «12-13» سنة نوع من الوعي في مجالات عديدة، أهمها الوعي الديني، والوعي الوجداني، والوعي الفطري، وتبدأ بالتأثر بشكل واضح بأخلاق وسلوكيات الآخرين نتيجة انخراطها في الحياة الاجتماعية.

إنَّ دخول الفتاة المراهقة في أوساط المجتمع الغنية بالنماذج الحياتية المختلفة يبدو في نظرها عالماً جديداً مليئاً بالأسرار والمفاجآت، مما يضفي عليه عنصر الجاذبية، ومع مرور الزمن يتغير سلوك الفتاة المراهقة «تدريجياً» حتى يصبح في الحياة انعكاساً لصورة الوضع البيئي الذي يحيط بها، بحيث تلفت الانتباه بما يطرأ على شخصيتها من تغيرات في علاقاتها الاجتماعية ومحاولاتها الحثيثة لمحاكاة الوسط الجديد في السلوك والملبس.
ومما يجدر التذكير به هو أنَّ عالم المراهقة وخصوصاً ما يتعلق بالفتيات هو عالم الصفاء والنقاء الروحي الذي لا تشوبه شائبة ويمكن أن يبقى كذلك ما لم تلوثه عوامل الانحراف.

ويلعب الحوار بين الأم وابنتها المراهقة دوراً أساسياً «وفق تقديرات علم النفس»، فهو يقلص فارق العمر بين جيلي الأمهات والبنات في تعزيز ثقتهن بأنفسهن، ويحقق لهن الاستقلالية، كما أنَّه يبقي الأمهات قريبات من بناتهن، ويمكنهن من التدخل السريع عند الحاجة، ومما لا شك فيه أنَّ المراهقات يخسرن كثيراً في ابتعادهن عن أمهاتهن؛ إذ أنَّ القرب من الأم يقدِّم الدعم النفسي للنمو ويخفف من مشاعر الكبت والقلق والخوف والخجل.

إنَّ أسباب الخجل والانطواء عند المراهقات تكون متعددة وأهمها:-

1- عجزهنَّ عن مواجهة مشكلات المرحلة، وأسلوب التنشئة الاجتماعية التي نشأن عليها، فالتدليل الزائد والقسوة الزائدة يؤديان إلى شعورهن بالاعتماد على الآخرين في حل مشكلاتهن، لكن طبيعة المرحلة تتطلب منهنَّ أن يستقلن عن الأسرة ويعتمدن على انفسهنَّ، فيحدث الصراع لديهنَّ ويلجأن إلى الانسحاب من العالم الاجتماعي والانطواء والخجل عند التحدث مع الآخرين.

ولعلاج هذه المشكلة ننصح الوالدان بتوجيه المراهقة بصورة دائمة غير مباشرة، وإعطاؤها مساحة كبيرة للنقاش والحوار، والتسامح في بعض المواقف الاجتماعية، وتشجيعها على التحدث والحوار بطلاقة مع الآخرين، وتعزيز ثقتها بنفسها، وتنضج الفتاة المراهقة التي يعتريها الخجل باعتماد أسلوباً يساعدها على تخطي الخجل عبر إحاطة نفسها بالصديقات، مما يخفف أو يبعد عنها الشعور بالإحراج والخجل، ولا يمنع الفتاة من الصراحة التي تفضلها، ويمكنها أن تكون أفضل حالاً في تشجيع الآخرين على تخطي الخجل.

وأحياناً تعاني الفتاة من نوعين من الخجل وهما الخجل الاجتماعي والخجل النفسي، لكن بحدود وفي مواقف معينة، والغريب أحياناً أنَّ قدرتها على تجاوز الخجل النفسي تفوق قدرتها على تجاوز الخجل الاجتماعي إلا أنَّه بوجه عام تستطيع التكيف مع محيطها من دون أن يكون الخجل عائقاً كبيراً، ونصيحتنا لها أن تتعلم الجرأة في بعض المواقف، فالبنت المراهقة التي تعتريها حالة الخجل تظل بحاجة إلى بذل الكثير من الجهد كي تتغلب على خجلها الذي يشدها إلى العزلة والانطواء في كثير من الأحيان، وعليها تدريب نفسها تدريجياً على الشجاعة عبر وضعها في مواقف مختلفة.

 

 

 

 

 

 

 

 


 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 المصدر:  الأمل الزاهر- الحلقة الرابعة - الدورة البرامجية 34

تحدث معنا
يمكنكم التواصل معنا من خلال التحدث بشكل مباشر من خلال الماسنجر الفوري تحدث معنا