العصبية لدى المراهق
2019/10/14
1113

يرى بعض الأشخاص أنَّ عصبية الشباب واندفاعهم ظاهرة طبيعية في هذه الفترة العمرية، وقد يكون ذلك صحيحاً إلى حدٍّ ما، ولكن العصبية إذا زادت عن حدها فلا بدَّ من التعامل معها على إنَّها ليست ظاهرة طبيعية على الإطلاق، بل ظاهرة تحتاج إلى تعامل خاص يتيح للشباب العصبي الإقلاع عن تلك العصبية أو تحجيمها على الأقل، والشباب ذوي المزاج العصبي قد نراهم حادّي الطباع، يتصرفون من خلال عصبيتهم بعناد، ويريدون أن يحققوا مطالبهم بالقوة والعنف الزائد، لا يعتمدون على أنفسهم في معظم الأحوال، وحركتهم دائمة ومتوترين، وهذا التوتر يسبب إزعاجاً كبيراً للمحيطين بهم، ولعصبية الشباب أسباب كثيرة، منها:-


1- أسباب تكوينية: أي نتيجة التكوين الموروث في الشخصية، وفي هذه الحالة يكون أحد الوالدين عصبياً فعلاً.
2- أسباب بيئية: مثل نشأة هؤلاء الشباب في جو تربوي مشحون بالعصبية والسلوك المشاكس الغضوب، ويمكن القول للوالدين ولكل المتعلمين مع الشباب من الجنسين إنَّ الحديث مع الشباب بفظاظة وعدوانية، والتصرف معهم بعنف يؤدي بهؤلاء الشباب إلى أن يتصرفوا ويتكلموا بالطريقة نفسها، بل قد يتمادوا للأشد منها تأثيراً، فالشباب يتعلمون العصبية في معظم الحالات من الوالدين أو المحيطين بهم.
كما أنَّ تشدد الأهل مع الشبان والشابات بشكل مفرط، ومطالبتهم بما يفوق طاقاتهم وقدراتهم من التصرفات والسلوكيات، يجعل الشباب عاجزاً عن الاستجابة لتلك الطلبات، والنتيجة إحساس هؤلاء الشباب بأنَّ هناك عدواناً يمارس عليهم يؤدي إلى توترهم وعصبيتهم، ويدفعهم ذلك إلى عدوانية السلوك الذي يعبرون عنه في صورته الأولية بـ «العصبية»، فالتشدد المفرط هذا يحول الشباب إلى عصبيين ثائرين، ولاداعي للتعجب إذا علمنا أنَّ التدليل المفرط للشبان والشابات يقود إلى العصبية والعدوانية أيضاً، فالشباب المدللين بإفراط يشعرون بأنَّهم محور الكون، ويغالون في قيمة أنفسهم؛ لأنَّ الوالدين لا يتيحان لهم فرصة استكشاف الواقع ومتطلباته، والدليل على ذلك إنَّ رغبات الشباب المدلل أوامر، وبالتالي يكونون غير قادرين على احتمال أي إحباط أو فشل يواجههم في حياتهم سواء في المدرسة أو الجامعة أو النادي أو في المحيط الأسري، وعند أول مواجهة يشعرون بأنَّهم مضطهدون من قبل الآخرين، وإنَّ الآخرين يحقدون عليهم، وهو شعور يثير عدوانيتهم ويدفعهم إلى السلوك العصبي مع الآخرين.

وهناك حالات من بعض الشباب المدللين الذين تصبح متطلباتهم على المدى الطويل على قدر من الغلو، وعندما يشعر الأهل بأنَّهم لم يعد بوسعهم أن يلبوا متطلباتهم، فإنَّ الفجوة تزداد بين الأبناء وذويهم، وبذلك يبدأ الصراع بين الشباب والأهل في صورة عصبية وسلوك عدواني لتلبية رغباتهم التي اعتادوا عليها، ويلعب التفكك الأسري دوراً رئيسياً في عصبية الشباب، فالشاب أو الشابة يشعران بسرعة بهذا التفكك حتى لو حاول الوالدان أن يخفياه، وهذا التفكك يثير لدى الشباب قلقاً نفسياً شديداً يعود إلى أجسامهم بصعوبة التوفيق بين حبهم لطرف وحبهم للطرف الآخر، وإلى أي الأطراف يميلون؟ فهذا القلق يؤدي إلى ردود فعل عدوانية قد تتخذ العصبية شكلاً لها، وقد تكون الغيرة الأخوية في بعض الأحوال عاملاً من عوامل عصبية الشباب، وتأتي تلك الغيرة عن شعور الشاب أو الشابة بالحرمان من حاجة من الحاجات الضرورية، نتيجة وجود منافس يغتصب منه حقوقه في التمتع بتلك الحاجة، وعلاج ذلك يكون باستخدام الأسلوب التربوي الصحيح الذي يتسم بالعدل التام والمطلق ما بين الأخوة والأخوات، والحرص على أن يكون الحب هو أساس التعامل بين أفراد الأسرة، وأنَّه بدون ذلك الحب فليس لأحد أي حق من الحقوق.

كما أنَّ الخلاف بخصوص أسلوب تربية الشباب والشابات وخاصة في فترة المراهقة، يمكن أن يكون سبباً لعدوانية هؤلاء الشباب الذين سرعان ما يشعرون بالفطرة أنَّ هناك خلافاً حول تربيتهم، ويمكن أن يقوم الشباب باستعمال أحد الوالدين ضد الآخر ليصبح في وضع مدلل، وإذا لم تلبَّ رغباته كانت العصبية والثورة النفسية هي رد الفعل لذلك.

كيفية التعامل مع عصبية الشباب:

إنَّ مفاتيح التعامل مع عصبية الشباب هي الأمان والحب، والعدل، والاستقلالية، والحزم، فلا بدَّ للشباب من الشعور بالأمان في المنزل، الأمان من مخاوف التفكك الأسري، والأمر الآخر هو الحب، فكلما ازداد الحب للأبناء ازدادت فرصة التفاهم معهم، فيجب أن لا نركز في حديثنا معهم على التهديد والعقاب، ولقد اتفق خبراء الاجتماع وعلماء النفس والتربية على أهمية إشراك المراهق في المناقشات العلمية المنظمة التي تتناول علاج مشكلاته، وتعويده على طرح مشكلاته ومناقشتها مع الكبار في ثقة وصراحة، والنقطة الثالثة هي العدل في التعامل مع الأبناء، فالسلوك التفاضلي نحو الأبناء يوجد أرضاً خصبة للعصبية؛ لأنَّ العصبية هي ردة فعل لأمر آخر وليست المشكلة نفسها، والمفتاح الرابع هو الاستقلالية، فلا بدَّ من تخفيف السلطة الأبوية عن الأبناء وإعطائهم الثقة بأنفسهم بدرجة أكبر مع المراقبة والمتابعة عن بعد، فشعور الاستقلالية شعور محبب لدى الأبناء خصوصاً في هذه السن.
أما المفتاح الأخير فهو الحزم، فيجب أن لا يترك الشاب لفعل ما يريد بالطريقة التي يريدها وفي الوقت الذي يريده ومع من يريد، وإنَّما يجب أن يعي الشاب أنَّ مثل ما له من حقوق فإنَّ عليه واجبات يجب أن يؤديها، وإنَّ مثل ما له من حرية فللآخرين حريات يجب أن يحترمها.


 

 

 

 

 

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 المصدر: برنامج الأمل الزاهر- الحلقة الثالثة - الدورة البرامجية 34

تحدث معنا
يمكنكم التواصل معنا من خلال التحدث بشكل مباشر من خلال الماسنجر الفوري تحدث معنا