ابنة النور وسيّدة الأخلاق
2020/10/18
597

كان النور يشعّ من وجهها، والحياء والجمال يزيدها إشراقة، نظرت إليها فانبهرت لهالة النور التي كانت تحيط بها، أحسست أنها غارقة في بحر الهدوء والاطمئنان ولم تكترث لمجيئي، روحها تسمو في معالي المناجاة لربّها، فتسكن وتستقر في سماء الإيمان واليقين، سألتها وأنا فرحة بلقياها: سيّدتي مَن أنت؟ قالت أنا مَن قضيت أيام طفولتي بين أنوار الرحمة والإنسانية، والكمال والجمال، وتربيت في حجر الإيمان، وترعرعت في كنف الطهر والقداسة، وتحليت بالعفة والنجابة، وتميّزت بحسن التربية والأدب والمعرفة،  فوهبني الربّ الجليل طهارة النسب وجلّلني برداء الشرف، وألبسني مطارف الحياء، فكنت أفضل نساء عصري وأكثرهنّ أدباً وعفةً وعقلاً  وبلاغةً.
وكنتُ أزيّن مجالس ذكر والدي الطيب الشهيد بالقراءة والأحاديث الشريفة، بحيث كان خصومنا يقرّون لي بشرفي ونسبي العظيم.
نعم عزيزتي اسمي هو آمنة أو سكينة، وأنا ابنة النور الخامس من أصحاب الكساء الإمام الحسين(ع)، كنتُ أحبّ والدي حبّاً جماً، وكانت لي مكانة خاصة لديه، والمتتبع لسيرتي يستشعر حلاوة الرابطة الروحية بيني وبينه، كنتُ أكلّمه بنظراتي وعيوني تبحر في أعماق وجوده الطاهر، تقرّ عيني برؤيته، وينعكس شعاع نوره على وجهي، فالنور الذي ترينه هو سطوع نور وجهه.
فقلتُ في نفسي بعد أن متعت أسماعي بحديث الفتاة الهادئة والسكينة آمنة بنت النور العظيم الحسين(ع) قلت: أين نحن من حفيدة الزهراء(ع)، وهل فتياتنا تسير على خطاها وخطى جدّتها الزهراء(ع)، وعمّتها سيّدة الخلود زينب(ع)؟ فأكثر ما يحدث في مجتمعنا هو مخالف لسيرة الطاهرين، ونرى ما نرى اليوم من تردّي العلاقات بين الأب وابنته، وعدم احترام الفتاة لأبيها،  وعدم اكتراثها بآرائه ونصائحه. 
وذلك بعدّة صور نشرح بعضاً منها هنا:

الصورة الأولى:

بعض الفتيات عندما تتكلّم مع أبيها وكأنها تتحدث مع صبيّ بعمرها، وتنسى أنه السبب في وجودها، وهو المربّي والمعلّم الأول في حياتها، وحقّ الأب لا يقلّ أهميةً وعظمةً عن حقّ الأم، فالابن (شاء أم أبى) ترجع جذوره وأصله إلى أبيه، وهو فرع منه سواء كان أصله جيداً أم رديئاً. وبالتأكيد لا يوجد هناك أب لم يفنِ عمره وصحته وحياته في سبيل توفير الراحة والأمان والمستقبل المشرق لأولاده، وبذل نفسه وشبابه بهذا الطريق، وربّما بعض الأحيان يترك مستقبله الأفضل والحصول على الشهادات العليا في الدراسة.

وفي ذلك يقول الإمام زين العابدين(ع): "وأمّا حقّ أبيك فتعلم أنه أصلك وأنك فرعه وأنك لولاه لم تكن فمهما رأيت في نفسك مما يعجبك فاعلم أنّ أباك أصل النعمة عليك فيه، وأحمد الله واشكره على قدر ذلك، ولا قوة إلا بالله".

فعلى الفتاة والشاب في الوقت نفسه أن يكونا واعيين ويعرفا جيداً كيف لا يعقان أباهما، وأن لا يكونا في غفلة عن ذلك، وأن يعاملا أباهما بالحسنى، ويبجلاه ويعظّماه ويخضعا له، ويراعيا الأدب بمحضره الطيّب، فأين فتياتنا من هذه الدرر النورانية في سماء العصمة والقداسة.

الصورة الثانية:

احترام الأب وقناعاته وأفكاره، ومراعاة مشاعره بأنها هي مسألة إنسانية أخلاقية، تظهر جوهر الإنسان ومعدنه الصافي، ويا للأسف نرى في هذه الأيّام من قبل بعض الفتيات تصرفات لا تنتمي إلى الإنسانيّة والأخلاق والأدب، ومن ذلك الاستبداد بالرأي لدى الفتاة، ومخالفتها وعنادها لرأي أبيها في أسرنا الكريمة، وغالباً ما تفرض الفتاة رأيها على أبيها باختيار التخصص الدراسي بالجامعة مثلاً أو باختيار الزوج غير المناسب لها أو غيرها كثير، وهي تنسى أو تتناسى أنّ الوالدين لهم حقّ عظيم علينا، ومهما نعمل لا نؤدي شكرهما، وشكر المخلوق من شكر الخالق.

فإنّ الله تعالى أوجب للوالدين حقوقاً على ابنهما، لم يوجب مثلها لشخص أو شيء آخر حتى إنّ الله تعالى قرن طاعتهما والإحسان إليهما بعبادته وتوحيده، فقال تعالى: ( وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا..)/ (الإسراء:23-25).

 

 

 

 

 

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المصدر: مجلة رياض الزهراء(ع) تصدر عن شعبة المكتبة النسوية في العتبة العباسية المقدسة/ العدد 109/ آمنة خيون الساعدي

تحدث معنا
يمكنكم التواصل معنا من خلال التحدث بشكل مباشر من خلال الماسنجر الفوري تحدث معنا