حقوق كبار السن في الاسلام وواجباتهم
2020/02/16
1906

إن الحقوق في الإسلام هي مُنَح إلهية تتسم بالكمال والشمول والعموم وأنها غير قابلة للإلغاء، وحقوق المسنين في الإسلام عبادة، لأن العبادة اسم جامع لكل ما يحب الله ويرضاه مـن الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة وتشمل بر الوالدين والإحسان إلـى الشـيوخ والضـعفاء ودفـع حاجاتهم وضرراتهم، وتوقير الكبار والعلماء، وإقامة العثرات وغفران الزلات واصـطناع المعـروف.

وإن للمسن حق في العمل ما دام قادر عليه، وحق المسن في الرعاية الأسرية، وحق المسن في الرعاية الصحية. ايضا حق المسن في الكرامة والتوقير، فإن الإنسان في عقيدة الإسلام أيتها الأخوات من أفضل خلق الله وأكرمهم على الله، فقد أسجد له ملائكته حين خلقه، قال تعالى: ( إذ قال ربك للملائكة إني خالق بشراً من طين، فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين، فسجد الملائكة كلهم أجمعون)، فهـو سـجود إكـرام وإعظام واحترام، وقال عز وجل: ) ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحـر ورزقنـاهم مـن الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلاً ، فالمسن اذن مستمعاتي له منزلته ومكانتـه مـن عموم هذه الآيات، وبين الرسول "ص"  المكانة المتميزة للمسلم المسن ذو الشيبة فقال: "من شاب شـيبة  في الإسلام كان له نوراً يوم القيامة".

 وقال "ص وآله": "ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويوقر كبيرنا" ؛ فمن مظاهر الاحترام والتوقير للمسن: القيام من الصغير للكبير لدى دخوله ولاسـيما إذا كـان عالماً أو فقيهاً أو حافظاً للقرآن، وعدم الكلام في المجلس إلا بإذنه، وإجـلاس الكبيـر فـي صـدر المجلس ممن هم أصغر منه، ومخاطبته بأدب وتلطف واحترام.

ومن حق المسن أيضاً أخواتي أن يمكن من الكسب الحلال ما دام يستطيع العمل ولو بعد سن التقاعد وقـد حث الإسلام على العمل، قال الله تعالى: (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون)، فلا يجب أن يسـتهان بأي عمـل قدمه الكبير، إذا كان يصلح نواة للتعديل، والإكمال، والتحسين والإنهاء، ولا يصح حجب العمل عـن الكبير أو منعه من ممارسة الوظيفة المناسبة لإمكانه وطاقاته الفكريـة وإسـهامه فـي الإنجـازات المختلفة بحسب الميول والخبرات، دون إرهاق جسده أو توريث الوهن والضعف في قـواه البدنيـة، فحينئذ لا نحمله ما لا يطيق؛ فإن جميع التكاليف الشـرعية والدنيويـة تعتمـد علـى الطاقة أو الاستطاعة، قال الله عز وجل:) لا يكلف الله نفساً إلا وسعها( والتكليف أياً كان نوعه يعتمد على وجود المشقة المعتادة، دون المشقة غير المعتادة. أما المعتادة: فهي المشقة التي يستطيع الإنسان تحملها دون إلحاق الضرر به، وهـذه لـم يرفعهـا الشارع من التكاليف، وهي أمر واقع ، فإن كل عمل في الحياة مستمعتي لا يخلو من مشقة، وأما غير المعتادة أو الزائدة: فهي التي لا يتحملها الإنسان عادة، وتفسد على النفوس تصرفاتها، وتخل بنظام حياتها، وتعطل عن القيام بالأعمال النافعة غالباً، وهذه لم يقع التكليف بها شرعاً، منعاً من الوقوع في الحرج والعنت والأذى.

وإذا عاملنا كبار السن بهذه الروح الطيبة والمشاركة الفاعلة، فإننا نكسب مـنهم المزيـد، مـع تنامي الخبرات، ونحميهم من الاسترخاء والكسل الذي يؤدي عـادة إلـى كثـرة الهمـوم والقلاقـل والأمراض وضعف الجسم، ونسهم بهذه المشاركة في ملء الفـراغ لـديهم، واشـعارهم بكـرامتهم وذاتيتهم وأهميتهم في الحياة، دون أن يحسوا بأنهم أصبحوا ثقلاء أو أعباء على غيرهم، فمن حـق المسنين إيجاد الأنشطة ، وورشات عمل، ومراكز تدريب مهني في مختلف الاختصاصـات، وحشـد القادرين منهم على الحركة والعمل فيها، لتدريبهم وتشغيلهم وتوظيفهم، ولو بمقدار أربع ساعات في اليوم، فنفتح أمامهم أبواب الأمل والطموح، ونمكنهم من تجديد حيويتهم واستمرار نشاطهم، والإفادة من خبراتهم وعطاءاتهم، ولو كانت قليلة أو محدودة، وهذا لون من إشراكهم فـي مسـيرة البنـاء  والتعمير والتنمية، التي هي ضرورية في كل مجتمع، وإن العمل للمسن رياضة وشرف وعزة نفس، كـيلا تضـعف قواه وعزيمته وجسده؛ بل هو مساعد على نمو الملكات العقلية وإذكاء الأفكار، وعلى نشاط الجسـد.

وكما إن للمسن أيتها الاخوات حقوق فإنه عليه واجبات ايضاً، ومن واجب المسن الإيمان بالله والاستقامة، وهو مطـابق لقـول الله تعـالى: (إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة إلا تخافوا ولا تحزنوا وابشروا باللجنـة التـي كنتم توعدون).

فعلى المسن أن يعبد الله وحده لا يشرك به شيئاً، ويؤثر مرضاته على هواه، ويتحبب إليه جهده وطاقتـه، ويحسـن إلـى خلقه ما استطاع، ويتمسك بالأخلاق الإسلامية من الوقار، والسكينة، والرحمة، والصبر، والصـدق، وسلامة الصدر من الغل والغش والحقد والحسد.

وأصول الخيرات وفروعها مستمعاتي  يتحصل في الإنصـاف من النفس، وبذل السلام، والإنفاق من الإقتار.

والإنصاف يوجب على المسن أداء حقوق الله كاملـة وموفرة، وأداء حقوق الناس كذلك، وأن لا يطالبهم بما ليس له، ولا يحملهم فوق وسعهم، ويعـاملهم بما يحب أن يعاملوه به، ويعفيهم مما يجب أن يعفوه منه.

ومن واجب المسن أيضاً التوبة إلى الله: فما من مخلوق إلا وقدر الله عليه أن يرتكب إثماً ويقترف خطأ، وما من مخلوق إلا وقدر أمر بالتوبة إلى الله، والرجوع عما اقترفه من الآثام، والاستغفار منها، والإنابة إلى الله سبحانه، قال رسول الله(ص): "كل بني آدم خطّاء، وخير الخطّائين التـوابين"، وقـد حث الإسلام على التوبة، قال تعالى: (إن الله يحب التوابين ويحـب المتطهـرين).

وشروط التوبة النصوح هي: 

الندم على ما سلف منه في الماضي، والإقلاع عنه في الحال، والعـزم أن لا يعاوده في المستقبل، وأداء حقوق العباد. وعليه الإكثار من الاستغفار ودوام ذكر الله عـز وجل بالأدعية المأثورة عن الرسول وال البيت "عليهم السلام".

ومن واجب المسن كذلك شغل الفراغ بالتفقه في الدين أي يفهم مبادئ الإسلام وتعاليمه ويعمل بها ففيها خير الدنيا والآخرة وتجعله على استعداداً للقاء الله في يسر وسهولة . ويجب عليه أن يشغل فراغه بفقه الشرع والعمل به قدر جهده ويجب على المسـنين أن يكونوا قدوة حسنة لأولادهم وأحفادهم في كل شيء من مناحي الحياة ولاسيما في علاقتهم بالله جـل شأنه.

وعلينا أن نعينهم في هذا فنؤدي حقوقهم علينا ونساعدهم في أداء واجباتهم والأخذ بأيديهم ليختموا أيامهم بالفلاح والصلاح.





 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر: الخريف الأخضر- الحلقة العاشرة- الدورة البرامجية 44

 


تحدث معنا
يمكنكم التواصل معنا من خلال التحدث بشكل مباشر من خلال الماسنجر الفوري تحدث معنا