تربية الطفل على القيم الإنسانية والدينية
2025-02-12 06:39:19
66

تربية الطفل على القيم الإنسانية والدينية

هناك قيم إنسانية ودينية لا بدّ من تربية الطفل عليها، وهذه القيم هي:

الأولى: صوت القرآن
القرآن له أثر غريب على النفس، نبرة القرآن نبرة سحرية تنفذ إلى القلب، وإلى نفس الإنسان، الطفل الذي تعلم على صوت القرآن من صغره يبقى هذا الجرس حتى بعد كبره، يقول القرآن الكريم: ﴿لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا القُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللهِ﴾ (الحشر: 21)، فالحجر يتأثر بالقرآن، فكيف بقلب الإنسان الحساس؟ ألا يتفاعل مع صوت القرآن!
يقول الإمام علي (عليه السلام) عندما يصف المتقين: «يرتلونه ترتيلاً، يحزنون به أنفسهم، ويستثيرون به دواء دائهم» (نهج البلاغة: الخطبة 193)؛ أيْ: يقرأ القرآن بصوت حزين شجي، هذا الصوت يثير في قلبه الالتفات إلى الأدواء والأمراض، ويقوده إلى البحث عن الدواء والعلاج.
اجعل صوت القرآن دائماً في البيت حتى يتربى الطفل وهو يسمع القرآن، قال أمير المؤمنين (عليه السلام): «البَيْتُ الَّذِي يُقْرَأُ فِيهِ القُرْآنُ وَيُذْكَرُ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ- فِيهِ تَكْثُرُ بَرَكَتُهُ، وَتَحْضُرُهُ المَلَائِكَةُ، وَتَهْجُرُهُ الشَّيَاطِينُ، وَيُضِيءُ لِأَهْلِ السَّمَاءِ، كَمَا تُضِيءُ الكَوَاكِبُ لِأَهْلِ الأَرْضِ؛ وَإِنَّ البَيْتَ الَّذِي لَا يُقْرَأُ فِيهِ القُرْآنُ وَلَا يُذْكَرُ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ- فِيهِ تَقِلُّ بَرَكَتُهُ، وَتَهْجُرُهُ المَلَائِكَةُ، وَتَحْضُرُهُ الشَّيَاطِينُ» (الكافي: ج٢/ص٦١٠).

الثانية: الصلاة
فقد جمعت الصلاة كل العبادات، جمعت ما في الصوم وما في الزكاة وما في غيرها، فإن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: «الصَّلَاةُ عِمَادُ دِينِكُمْ» (الكافي: ج٣/ص١٠٣)، وورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه قال: «إِنَّا نَأْمُرُ صِبْيَانَنَا بِالصَّلَاةِ إِذَا كَانُوا بَنِي خَمْسِ سِنِينَ، فَمُرُوا صِبْيَانَكُمْ بِالصَّلَاةِ إِذَا كَانُوا بَنِي سَبْعِ سِنِينَ» (مَن لا يحضره الفقيه: ج١/ص٣١٢).
أؤمر ابنك بالصلاة، راقبه وتابعه حتى يتعلمها، لا بد من أن يعقل الصلاة؛ لأنّ الصلاة لها أثر كبير على شخصية الإنسان إذا تعلمها في صغره، كثير من مراجعنا الأجلّاء إذا دخلت بيوتهم تجد فيها محراب؛ وهو رمز إلى أنّ البيت بيت صلاة، بيت عبادة، ولذلك بمجرد أن يدخل وقت الصلاة تجد هذا الإنسان يدخل ويتقدم إلى المحراب ليُعلم الأسرة كلّها أنّ وقت الصلاة قد حلّ، وهذا مكان الصلاة، ونحن حريصون على الصلاة، وبيتنا بيت الصلاة، وهذا ما أوصى القرآن الكريم به: ﴿وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ﴾ (يونس: 87).
لذلك يحتاج الأطفال إلى أن يتذوقوا طعم الصلاة، فللصلاة طعم روحي لا يوجد في عبادة أخرى! 
فلا بدّ من تربية الأسرة على الصلاة، فإذا عمّرنا البيت بصوت الصلاة، وعمّرناه بإقامة الصلاة، وعمّرناه بالنافلة، فإننا بذلك نجعل بيوتنا قبلة ونقيم فيها الصلاة.

الثالثة: قيمة الكرامة
علِّم طفلك على أن يكون له كرامة، وغيرة، ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «قَدْرُ الرَّجُلِ عَلَى قَدْرِ هِمَّتِه، وصِدْقُه عَلَى قَدْرِ مُرُوءَتِه، وشَجَاعَتُه عَلَى قَدْرِ أَنَفَتِه، وعِفَّتُه عَلَى قَدْرِ غَيْرَتِه» (نهج البلاغة: ص٤٧٧).
تُعرف عفّة الرجل من غيرته على عِرضه، على حجاب بناته، على حجاب زوجته.. الغيرة هي طريق العفّة، علِّم ابنك على أنّ قيمة الإنسان بغيرته وبعفته فهي ميزة مثلى من مثل الرجولة، ومن مثل الإنسان السوي.

الرابعة: قيمة العزة
قال تبارك وتعالى: ﴿وَلِلهِ العِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ﴾ (المنافقون: 8).
كيف يكون الإنسان عزيزاً بدينه؟ كيف يكون معتزاً ومفتخراً بدينه؟
اليوم نسمع كثيراً من الآباء يشكون من أنّ أبنائهم يستقبلون ثقافات شاذة ويتأثرون بأفكار شاذة، ويحصل لهم ميول ويحصل لهم اتجاهات شاذة، كيف نصونهم؟ كيف نحيطهم؟ كيف نضمن سلامتهم من هذه الأفكار وهذه الاتجاهات؟ 
الضمان والرصيد والإحاطة بهذا الولد 
(كي لا يتأثر) هو أن تتحدث معه حديث العزة، ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه قال: «بَادِرُوا أَحْدَاثَكُمْ بِالحَدِيثِ قَبْلَ أَنْ تَسْبِقَكُمْ إِلَيْهِمُ المُرْجِئَةُ» (تهذيب الأحكام: ج٨/ص١١١).
في زمان الإمام الصادق (عليه السلام) كان هناك عدة تيارات؛ كتيار المرجئة، وتيار المفوِّضة، وتيار الغلاة، وكان الإمام (عليه السلام) يقول قبل أن يتلوث أبناءكم تحدثوا معهم وبادروهم بالحديث حتى لا تسبقكم إليهم المرجئة، قبل أن تتلوث أفكارهم، قبل أن يسمعوا، بادروا أنتم بالحديث، أفهموهم الفكر الصحيح، لقِّنوهم الوعي الكامل حتى لا يتأثروا بالأفكار الأخرى. وأنت أيضاً ابدأ الحديث مع طفلك، طفلك أسير أمام السوشال ميديا، أمام الإغراءات، أمام الألوان من الأفكار والاتجاهات الشاذة، بادر ولدك بالحديث قبل أيِّ شيء، اجلس وتحدث معه، أفرغ عليه الوعي، أعطه الثقافة الواعية السليمة؛ كي تكون رصيداً أمام الاتجاهات المتلونة والمختلفة، اجعله يعتز بدينه ويفتخر بثقافة دينه.

فهذه العزة هي التي تجلّت في الرسول وأمير المؤمنين والحسن والحسين (عليهم السلام).

✍️ السيد منير الخبّاز

__________________________________________

نشرة الخميس/نشرة أُسبوعيةٌ ثقافيةٌ (مجانية)، تتناولُ المعارفَ القُرآنيةَ، والعقائديةَ، والفِقهيةَ، والتاريخيةَ، والأخلاقيةَ، والتربويةَ، والاجتماعيةَ، والصحيةَ بأُسلوبٍ مبسّطٍ ومختصرٍ، تصدر عن العتبة العباسية المقدسة/ العدد 1022.
تحدث معنا
يمكنكم التواصل معنا من خلال التحدث بشكل مباشر من خلال الماسنجر الفوري تحدث معنا