تجاهل حديث الطفل أمام الآخرين
2024-01-28 05:44:35
421

إن التعرض لمواقف محرجة مع الأطفال، أمر لابد منه، على الأغلب لا توجد أُمٌّ لم تتعرض خلال تجربتها الطويلة مع الأمومة لمواقف محرجة مع أطفالها، سواء في إطار العلاقات العائلية، أو في الشارع والأماكن العامة، وكثيرات من يلجأن للعنف كرد فعل منهن لإيقاف الطفل عن إثارة الشغب، وأخريات يعتبرن التجاهل هو السلاح الأقوى في مواجهة تلك المواقف، لكن يبقى دوما الطفل هو المنتصر، حتى وإن اعتقدت أمه أنها الأقوى.

بين الكوميديا والإحراج وما يعتقده الناس"عدم تربية"، تتلخص مواقف الأطفال، في إحدى مجموعات الأمهات، كتبت إحداهن تحكي عن طفلها ذي العام وبضعة أشهر، الذي لا يحب أبدا أن يأكل نوعا معينا من الجبن، وبينما هي تجلس مع جارتها وتحكي عن ذلك، فوجئت بطفلها يأكل نوع الجبن ويتشاجر مع طفل الجارة، لأنه أكل القطعة الأخيرة "وجدت نفسي عاجزة عن الرد، فقد كنت للتو أشكو من شهيته الضعيفة".

 إنّ التقليل من شأن الأطفال وإهانتهم والحط من شأنهم يقوّض من إحساس الطفل بذاته.. كما أنّ الاعتداء اللفظي هو عبارة عن الاستمرار في الشتائم، وتجاهل أو رفض الطفل بعبارات مثل "أتمنى أنّك لم تولد"، "أنت غبي للغاية"، "أنت لا قيمة لك"، إنّ هذه الكلمات يصدّقها الأطفال خاصّة وإن سمعوها من آبائهم أو مدرسيهم أو غيرهم ممن يحبون ويثقون،وإنّ استمرار هذه الإهانات أو الإساءات يمكن أن تسبب الضرر في شخصية الطفل، وبغض النظر عما إذا صاحبت هذه الشتائم اعتداء جسدي وجنسي، أو من تلقاء نفسها فإنّ آثارها ستكون مدمرة.

يقع كثير من الآباء والأمهات في خطأ كبير أثناء تربيتهم لأبنائهم، وذلك بسخريتهم الدائمة من بعض السلوكيات التي يقوم بها الطفل أو من خلال نطقه غير الصحيح لبعض الكلمات، ولا يتوقف الأمر عند هذا الشأن بل يمتد ليتحول إلى سخرية وتقليل من شأن الطفل مما ينعكس على نفسيته بشكل سلبي، والحقيقة أن هنالك الكثير من الأطفال في فترة الطفولة يكون لديهم وبشكل طبيعي خلل في نطق الحروف والكلمات، فيعمد الأهل إلى السخرية من هذا الشأن، ولا يعي الطفل لما يضحكون ولكن بمرور الوقت يبدأ الطفل في فهم من حوله حتى ولو لم يظهر ذلك، ويبدأ في كتمان غضبه من سخريتهم له وبذلك تتربى بداخله كثير من العقد التي يعاني منها أهله عند كبره وهم لا يعلمون أنهم السبب في هذه العقد والمشاكل النفسية.

وكذلك الشأن بالنسبة للدراسة، فقد نجد الطفل متفوقاً في مواد معينة ويخفق في مواد أخرى، والأجدر أن نشجعه على تقدمه في المواد المتفوق فيها، ونحفزه على التقدم في المواد التي لا يجيدها دراسياً، ونعينه على اجتيازها، ولكن الكثير من الآباء والأمهات لا يفعلون ذلك بل يلجأوا إلى تعنيف الطفل والتقليل من شأنه، وفي أحيان كثيرة إلى مقارنته بأخ له أو زميل وهو من أكثر الأخطاء أيضاً التي يقع فيها الآباء؛ لأن ذلك يدفع الطفل إلى كراهية من يقارن به، ويتعمد في ذات الوقت عدم الاستجابة لهم بل ويتمادى في السير على الدرب الخاطئ، بالإضافة إلى أن ترديد بعض الكلمات غير المرغوب فيها على مسامع الطفل مثل كلمة "فاشل" أو "غبي" وغيرها من المصطلحات التي يجب ألا يتعامل بها الآباء مع أبنائهم ترسخ في أذهانهم، وتجعل شخصياتهم سلبية وكل ذلك يجعل منهم أشخاصا غير أسوياء نفسيا ولديهم إحساس بعدم الثقة في النفس، مما ينعكس على علاقاتهم بالآخرين عند الكبر.

ومعظم الأشخاص الذين يعانون من هذه العقد والمشاكل النفسية، إذا نظرنا إلى طفولتهم فسنجد أنهم عاشوا طفولة مشوهة وتعرضوا إلى قسوة شديدة من قبل الأهل، فلابد إذن من استخدام الأساليب الراقية في التعامل مع الأطفال حتى في وسائل العقاب، ويجب البعد عن كل ما يؤذي الطفل نفسياً ومعنوياً وذهنياً.

ومن أهم الاحتياجات النفسية التي يحتاجها الطفل وكثيرا ما نهمل في منحها إياه خلال سني حياته الأولى هي الحاجة إلى الاحترام، حيث يظن الكثير منا أن الطفل لا يفهم معنى الاحترام ولا يشعر به مما يدفعنا إلى سهولة إهانته اللفظية والبدنية ولا نجد أي حرج في ذلك؛ لأنه طفل لا يفهم ولأننا نربيه، ومع الإهمال يظهر أثر عدم الاحترام هذا في شخصية لا تحترم الآخرين ولا تحترم مشاعرهم بالإيذاء اللفظي والبدني.

فنجد الأم تشتكي من أن ابنها يضرب أخواته أو أصحابه أويعضهم ويؤذيهم أو يأخذ أشياءهم أو يتعدى عليكم بالكلام الجارح أو غير اللطيف أو يتعامل بعنف معهم، والحقيقة أن تصرفاته هي مجرد انعكاس لما عاناه الطفل في دائرته المقربة منه.

لذا يحتاج الطفل إلى الاحترام حتى ينشأ إنسانا محترما في ذاته محترما لغيره وذلك عن طريق:
- احترم شخصيته وتفرده عن غيره فلا تقارنه بالآخرين من أقرانه.. أصحابه أو أخوته، فالمقارنة كما هي مؤذية لك فهي تؤذيه أيضا.
- احترم شخصيته بسلبياتها (القبول): لا تعايره بعيوبه وأخطائه فهو طفل من حقه أن يخطئ كي يتعلم بالتجربة.
- احترم عقله وفهمه للأمور حسب عمره، فلا تسخر من أفكاره وكلماته وأسئلته البسيطة.
- احترم مشاعره وأحاسيسه وتعامل معها بجدية فلا تتجاهل غضبه ولا تقلل من قيمه مشاعره، ولا تهمل فرحته وسعادته.
- احترم لغته وألفاظه وطرق التعبير عن ذاته ولا تهزأ بطريقة نطقه للكلمات أو بأسلوب كلامه كالتهتهة مثلا.
- احترم قدراته وإمكانياته فلا تكلفه مالا يطيق ولا تقلل من حجم ملكاته ومهاراته.

التعامل مع الطفل يحتاج قدر كبير من الحساسية للأسف نفتقدها في تعامل الكبار بعضهم مع بعض.. ولكن تأثيرها على الطفل توجد جروحا وندوبا قد تؤثر على التكوين العام لشخصيته.. وكما ترعى الشجيرة الصغيرة بتغذيتها وحمايتها من الأمراض لابد أن تعطيها من الفيتامينات والأملاح التي تساعد على نموها..
وأخيرا تعامل مع طفلك كما تعامل إنساناً كبيراً في احترامه وتقديره حتى يعاملك بنفس الاحترام والتقدير، فما تزرعه ستحصده بعد حين.

 

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر: إذاعة الكفيل - برنامج لعيون الورد- الدورة البرامجية 76 - الحلقة التاسعة.

تحدث معنا
يمكنكم التواصل معنا من خلال التحدث بشكل مباشر من خلال الماسنجر الفوري تحدث معنا