التميز في الدراسة
2023-09-21 06:31:56
510
من الطبيعي جداً أن يتمنى أولياء الأمور أن يكون أولادهم من المتميّزين والمتفوقين دراسياً (فضلاً عن الأخلاق)، لذا تجدهم يحثّون أولادهم على الدراسة المركّزة والمستمرّة، وهم بدورهم يسعون بكل الطرق لتمهيد الطريق لأولادهم وتوفير كل أسباب الراحة والطمأنينة وخلق الأجواء المناسبة ليكون أولادهم من المتميّزين.

ولكن بالرغم من بذل الآباء تلك الجهود وتوفير متطلبات أولادهم ترى كثيراً من الأولاد لا يحقق مبتغى آبائهم وطموحاتهم، فيصطدم الآباء بواقع مستوى أولادهم في الدراسة، فتأتي النتائج دون ما يرغبون فيه.

أعزائي أولياء الأمور، علينا أن نعي ونقرّ أن مستويات الفهم لدى الأولاد متفاوتة، ولا يمكن بحال من الأحوال أن يكونوا على مستوى واحد، وفي ذلك حكمة إلهية، إذ لو كان كل أولادنا على مستوى واحد، وكل واحد منهم يريد أن يصبح طبيباً أو مهندساً.. فما يكون مصير الاختصاصات والمهن الأخرى، فإذا لم يشغلها البعض لعمّت الفوضى ولافتقر المجتمع إلى أبسط الخدمات.

لذلك علينا أن نعي أن التميّز لا يكون في مجال واحد فقط، وهذا ما يفرضه الواقع، فإنك تجد مثلاً عاملاً في مصنع عبقرياً في عمله، وآخر مزارعاً نشيطاً، وآخر كهربائياً مبدعاً، وآخر رسّاماً فناناً، وآخر بنّاءً رائعاً.. إذن التميّز لا ينحصر في اختصاص أو مهنة محدّدة، وإنما يُحدّد بحسب ميول الإنسان وفي أي مكان يُبدع، والعالم الآن اختلف تفكيره عما سبق وأصبح يقدّر الاختصاصات ومجالات العمل المختلفة، حتى أنك ترى أن هناك اختصاصات علمية جديدة وحديثة تضاهي الاختصاصات التي نعرفها ونركّز عليها فقط دون غيرها.

كما لا يخفى على أحد أن هناك بعض الناس قد حصل على أعلى الشهادات ولكنه لا يقدّم الشيء الكثير لنفسه ومجتمعه، بل قد يكون من الفاشلين! والبعض قد ركن شهادته وعمل في مجال بعيد كل البعد عن اختصاصه، وقد أبدع فيه!

لذا علينا أن نراعي اهتمامات أولادنا وميولهم ونحاول أن ننمّيها ونسعى لتطويرها ونهيّئ السبل من أجل ذلك، ولا يُفهم من كلامنا أننا ندعو إلى عدم الاهتمام بالواقع العلمي لأولادنا أو التقصير فيه، بالعكس لا بد من أن نحثّ أولادنا على التحصيل العلمي وبأعلى الدرجات؛ لأنه لا يمكن لأحد أن يُنكر أن العلم أصبح مصدراً أساسياً في أي عمل أو مهنة، ولا يمكن تحقيق الابداع والتميّز إذا لم يكن للعلم مدخلٌّ فيه.



___________________________________
المصدر: نشرة الخميس (نشرة أسبوعية ثقافية تصدر عن قسم الشؤون الفكرية والثقافية في العتبة العباسية المقدسة)/ العدد 950.
علي عبد الجواد
تحدث معنا
يمكنكم التواصل معنا من خلال التحدث بشكل مباشر من خلال الماسنجر الفوري تحدث معنا