أختي الفاضلة جعل الإسلام للطفل قبل ميلاده حقوقاً، وتزيد هذه الحقوق بعد ميلاده وتستمر طيلة حياته شاباً ثم راشداً ثم شيخاً وفي دورة حياته المختلفة لا تنتهي حقوقه حتى بعد موته إذ تستمر حقوقه مصونة بحق الإسلام إلى يوم البعث والنشور ويوم الجزاء بنعيم مقيم في جنات النعيم أو بعذاب السعير في جهنم وبئس المصير.
ولئن كان الإسلام قد جعل للإنسان
حقوقاً قبل ميلاده فهو أولى بها وهو في حياته على هذه
المعمورة، ف(كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو
ينصرانه أو يمجسانه)، وهذه القواعد الأصولية في الدين، تبين مسئولية
تربية الأطفال فأبناؤنا أكبادنا تمشي على الأرض. والتربية العقدية
الشرعية للمولود أهم بكثير من التربية الجسدية، لأن أصل خلق الخلق
وهو حق الله سبحانه وتعالي عبادته وتوحيده بالألوهية والربوبية جل
جلاله، قال تعالى: ( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون، ما أريد
منهم من رزق وما أريد أن يطعمون، إن الله هو الرزاق ذو القوة
المتين).
اختي المربية :لعل من أهم حقوق
الطفل على أبيه أن يختار له أُماً صالحه، وعلى أُمه أن تختار له
أباً صالحاً يتقي الله في تربيته، ويرجع ذلك الى التأثير العظيم
للوالدين في أبنائهم، سواء عن طريق التأثير الوراثي أو البيئي، وكما
هو معلوم أن الولد يتقمص شخصيه أبيه و البنت تتقمص شخصيه
أُمها.
قال تعالى: ﴿ وَالْبَلَدُ
الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ
لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا كَذَلِكَ نُصَرِّفُ الْآَيَاتِ
لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ ﴾ [الاعراف: 58].
والقانتات: المطيعات للأزواج يحفظن
الأزواج في غيابهم وفي أولادهم وأموالهم وأنفسهم قال تعالى: ﴿
الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ
وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ
أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ
وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ﴾ [النور: 26].
إن الدنيا كلها متاع والمرأة من
المتاع والمتعة، ولكن خير متاع في النساء هي المرأة الصالحة، ولهذا
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم موصياً أمته بالحذر
من المرأة الحسناء ولا خلق لها ولا دين، قال عليه الصلاة والسلام:
“إياكم وخضراء الدمن “ بهذه الكلمة الجامعة ينبهنا رسول الله (صلى
الله عليه وآله وسلم) من الاندفاع وراء الجمال الزائف النابت في
بيئة فاسدة، فالطبيعة الإنسانية تنساق وراء الجمال، ولكن ليس الجمال
وحده ميزانا صالحاً لبناء الأسرة المثالية وحفظ حقوق الطفل، ولهذا
قال الله تعالى: ( وانكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم
وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله) لذلك لم يهتم الإعلان
العالمي لحقوق الإنسان بهذا الأمر وأغفله، وكذلك لم تهتم منظمة
اليونيسيف بحقوق الطفل قبل أن يولد كما حفظها
الإسلام.
إن الإسلام مستمعتي المربية رغب في
الولد والإنجاب، وجعل الأولاد قرة أعين، قال الله تعالى:( ربنا هب
لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماماً)؛
فالعلاقة الشرعية السليمة بين الأب والأم واختيار كل منهما للآخر
بعقد زواج شرعي هو الضمان والأمان للطفل؛ إذ قد يندفع بعض الناس
وراء المال فيختارون المرأة لمالها، ويجهلون أن المال قد يكون مدعاة
للطغيان والتسلط والتجبر فينهار كيان الأسرة ويتداعى الأمل الذي
ابتغوه وراء المال، ومن الناس من يرغب في امرأة ذات النسب العريق
والأصل الكريم، ومنهم من يغريه الجمال فتقع المفاسد، ومنهم من يكون
غايته الظفر بالمرأة التي تجمع خصال الخير والصلاح ويكون همها إرضاء
ربها والعمل بما أمرها به وتطبيق شريعته التي جاء بها نبيه (صلى
الله عليه وآله وسلم)، وهذا ما حدده لنا الحديث الشريف في قوله (صلى
الله عليه وآله وسلم): (تنكح المرأة لأربع: لمالها ولحسبها ولجمالها
ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك) وهنيئاً لمن يحظى بمن جمعت
هذه الخصال الأربع كلها.. فإن لم يجدها فليتخير المرأة الصالحة التي
ربيت ونشأت على الخير والفضيلة والصلاح، فهي التي يهنأ بها زوجة
صالحة يأنس بها ويَسَكن إليها ويفضي إليها بهمومه ويبثها وجده،
وتفيض هي عليه من حنانها وحبها ما يهون عليه مشقات الحياة وأعباء
المعيشة ويجتهدان في أداء حقوق أطفالهما.
والسنة النبوية المطهرة في أقواله
(صلى الله عليه وآله وسلم) فيها بيان لنموذج المرأة
الصالحة وردت في أحاديث كثيرة منها قوله (صلى الله عليه وآله): (
تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة) ، ومنها
فيما يتعلق بالأولاد وحقوقهم وذلك قوله (صلى الله عليه وآله
وسلم): ( تخيروا لنطفكم فإن العرق دسّاس).
واما بالنسبة للزوج الصالح وهو
الوالد الذي هو حق للولد أنه يكبر ليرى أباً صالحاً يشكر ربه على
تلك النعمة، إذ بالأم والأب الصالحين يكتمل بناء أسرة صالحة يرفرف
عليها الأمن والسعادة، لذا يتوجب على المرأة الصالحة وأوليائها أن
يختاروا الزوج الكفء الذي يحفظ لها كرامتها ويصون عفتها ويرعى جميع
حقوقها، وأن يرضوا لها من اجتمع فيه الدين والخلق تحقيقاَ لقول
الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) : (إذا أتاكم من
ترضون خلقه ودينه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير)،
وليس من الحكمة اختيار مزايا المال والمكانة الاجتماعية والوظيفية
والألقاب بل المعول كله على الدين والخلق، وإذا كانت منية الوالدين
الحصول على الولد الصالح، فإن منية الولد إذا كبر أن يرى والدين
صالحين أمامه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر: برنامج وحناناً من لدنا-
الحلقة الثانية- الدورة البرامجية 21.
المرأة بين الزيف والضياع.. فما الحل؟!