لقد أبرزت نظريات علم النفس ملاكات متباينة تصلح كمؤشرات لتحديد أخلاقية الفرد، ومنها:
-الفعل الاخلاقي هو الذي يؤدي الى تقديم العون للآخرين.
-الفعل الاخلاقي هو السلوك الذي يوافق الاعراف والقيم السائدة.
-الفعل الاخلاقي هو السلوك الناجم عن التقبل الوجداني للاعراف والقيم.
-الفعل الاخلاقي يتمثل بمساواة الآخرين والشعور بالتقصير او كليهما.
-الفعل الاخلاقي هو ترجيح منافع الآخرين على المنفعة الذاتية.
وواضح أن كلا من هذه الأمور تتوفر
على عنصر مهم يدخل في تحديد مفهوم الأخلاق ولكنها جميعا قاصرة عن
إعطاء ضابطة كلية وتعريف جامع له.
البعض يعتقدون أن السلوك الذي ينتهي
بتقديم العون والمساعدة للآخرين يعكس جانباً معيناً من الأخلاق، وفي
الحقيقة أن سلوك شخص معين إذا أدى الى تحقيق مكسب لشخص آخر فإن هذا
السلوك يتضمن بعداً من العمل الاخلاقي دون أن يعني هذا أن نحصر
الأخلاق بهذا البعد المحدود.
وذلك لبداهة أن ذلك يلجئنا الى الاعتراف أيضاً أن العمل الذي تنجزه بكتيريا الأمعاء في المساعدة على هضم الطعام هو الآخر يعد عملاً أخلاقياً وكذلك الدور الذي تلعبه طبقة الاوزون في الجو حيث تقوم بتنقية نور الشمس من أنواع الاشعاعات المضرة بالإنسان والكائنات الحية.
وهكذا علينا أن نشيد ايضاً بعمل المرأة التي تقدم على دس السم في طعام زوجها إذا ادى ذلك العمل صدفة الى شفائه من مرض عضال.
ويرى أخرون أن السلوك المطابق للأعراف الاجتماعية يعكس أيضاً بعداً هاماً من الاخلاق ،ها هنا تتجلى الاخلاق في نشاط فاعل لتكريس روح التعاون والتعايش مع مختلف التركيبات الاجتماعية التي يتعين على الافراد صيانتها والدفاع عنها لأجل بلوغ اهدافهم ،ولكي يبقى هذا الملاك "ملاك المطابقة" ناقصاً لا يمثل شاخصاً نهائياً لتحديد درجة النضج الاخلاقي فكثير من موارد المطابقة للأعراف السائدة خارجة اساسا عن الاطار الاخلاقي، وفي الحقيقة فان التعاون والتكافل الاجتماعي قد لا يحتاج الى مستوى عال من الاخلاق والدليل على ذلك أن خلايا النحل والنمل تشهد مثل هذا التكافل والتعاون بأجلى مصاديقه، ومع ذلك لا نعتبر ان ما يحص هناك يعبر عن نضج اخلاقي عند تلك الكائنات الصغيرة وذلك لان هذا التعاون لم يأت من منطق الإيمان الإرادي بضرورة التكافل من اجل بلوغ الهدف المشترك.
ونفس الأمر نجده في المجتمعات الاستبدادية التي تتحلى بأعلى درجات الضبط والتعاون والتنسيق حيث ينقاد العبيد بشكل منظم ومتسق لأداء الأعمال بما يتوافق والعادات المرسومة في حال أن أحداً لا يعد ذلك من الأخلاق بشيء لوضوح أنه يجري خارجاً عن نطاق الإرادة والاختيار الحر.
إن التكامل الأخلاقي هو محاولة استلهام القيم الأخلاقية والعمل على ترسيخها في الضمير بنحو تكون السيطرة على السلوك حالة وجدانية والضمير هو الذي يتضمن المعايير التي يحكم من خلالها على السلوك وهذا التصور لا يتنافى مع التفسير السابق بل ينسجم معه، وفي ضوء هذا التصور لا يمكن اعتبار أي سلوك عملاً أخلاقياً ما دام يحصل بعمل ضاغط من الخارج غير أن هذا الراي قد يكون غير صحيح في بعض الحالات لان احد ابعاد التكامل الاخلاقي تتجلى في تحرر الفرد من جميع عوامل الضغط.
وهذا يعني بطبيعة الحال أن وجدنة السلوك لا يمكن أن يكون بحد ذاته عملا أخلاقياً يعبر عن حالة من التوازن بين طموحات الشخص وميله للتكافل والتعاون مع أفراد مجتمعه وذلك ان كثيرا من المعايير الوجدانية نشأت من عادات وأعراف اجتماعية خاطئة مثل الأوهام والبدع والخرافات وهي بالتالي لا تصلح لأن تكون معياراً حقيقيا لتقييم السلوك.
ومن جهة أخرى فإن الشعور بالمساواة الاجتماعية يعد أحد المحفزات القوية للسلوك الأخلاقي بيد أنه لا يفرز دائما بالضرورة أعمالاً وسلوكيات اخلاقية ،على سبيل المثال ،طبيباً ناشئاً يمتنع عن زرق الدواء للطفل عن طريق الحقنة وذلك بذريعة تعاطفه مع الطفل ومواساته له او المعلم الذي يتسامح مع التلاميذ الى درجة التسيب فهل يعد عمل هؤلاء أخلاقياً؟
ونفس الأمر ينسحب على من يقول أن
الشعور بالتقصير يعد أحد المعايير الاخلاقية الوجدانية لتقييم سلوك
الآخرين لكن هذا المعيار غير منضبط ايضا بسبب أن كثيراً من الأشخاص
يمرون بحالات نفسية مرضية تجعلهم على درجة عالية من الشعور بالذنب
فهل ندرج هؤلاء في اعلى درجات سلم الكمال الاخلاقي؟..
إن النظريات التي تنظر الى الأخلاق
من معيار الشعور بالمواساة أو الاعتراف بالذنب تعاني من اشكالين
رئيسيين:
-الاول أن هذه العواطف والأحاسيس لليست مؤثرات مضبوطة يمكن الركون إليها بثقة واطمئنان.
والثاني: إن هذه المشاعر تنقسم في الغالب الى قسمين: عواطف نبيلة واخرى رذيلة وإذن ليس من الصحيح أن نعد كل عمل عاطفي عملاً نبيلاً وإلا فإن الحسد والايذاء أيضاً من جملة الأحاسيس الوجدانية.
وفي النتيجة يمكن القول أن الأخلاق من زاوية علم النفس ترتبط بمناشىء مختلفة ولها علاقات متعددة بحيث لا يمكن عد عملاً ما أخلاقياً قبل أن نحدد النوايا والحوافز التي دعت الى فعله.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر:
برنامج العماد الراسخ -الحلقة السابعة
الإمعة: حين يغيب الرأي وتتلاشى المسؤولية