معنى الأمومة
2020/10/28
3054

إنَّ الأمومة نظام تعلو فيه مكانة الأم، ولا شك أنَّ خير وصف يعبر عن الأم وعن حقيقة صلتها بطفلها في لغة العرب هو «الوالدة»، كما سُمِّيَ الأب بـ «الوالد» مشاكلة للوالدة الحقيقية، فهو في الحقيقة لم يلد، إنَّما ولدت امرأته، فالوالدة اسم مهم، شعر بأهميته واضعو اللغة، وجعلوه محور التعبير عن الأمومة والأبوّة والبنوّة، وفي القرآن الكريم تأكيد لذلك المعنى في قوله تعالى: ﴿مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ﴾، فلا أم في حكم القرآن إلا التي ولدت.
وأما التعريف الاصطلاحي للأمومة، فهي علاقة بيولوجية ونفسية بين المرأة ومن تنجبهم وترعاهم من الأبناء، وهذا هو تعريف للأمومة الكاملة، فالأم التي تحمل وتلد وترضع تكون علاقتها بطفلها «علاقة بيولوجية»، أما التي تحب وتتعلق وترعى تكون علاقتها «علاقة نفسية»، وهذا لا ينفي أنواعاً أخرى من الأمومة الأقل اكتمالاً كأن تلد المرأة طفلاً ولا تربّيه فتصبح في هذه الحالة أمومة بيولوجية فقط، أو تربّي المرأة طفلاً لم تلده فتصبح أمومة نفسية فقط.
يتضح لنا مما سبق أنَّنا أمام ثلاثة أنواع من الأمومة وهي:- 

1- الأمومة الكاملة «بيولوجية ونفسية»: وهي أنَّ الأم هي التي حملت وولدت وأرضعت ورعت الطفل حتى كبر، وهي أقوى أنواع الأمومة، وهي المعاناة والمعايشة للحمل أو الجنين تسعة أشهر كاملة والتي يتغير فيها كيان المرأة البدني كله تغييراً يقلب نظام حياتها رأساً على عقب، ويحرمها لذة الطعام والشراب والراحة والهدوء، إنَّها تمر بالوحم والغثيان والوهن طوال مدة الحمل، وكذلك التوتر والقلق والوجع والتأوّه والطلق عند الولادة، والضعف والتعب والهبوط بعد الولادة، إنَّ هذه الصحبة الطويلة المؤلمة والمحببة للجنين بالجسم والنفس والأعصاب والمشاعر هي التي تولّد الأمومة وتفجّر نبعها السخي الفياض بالحنو والعطف والحب، هذا هو جوهر الأمومة وهو بذل وعطاء وصبر واحتمال ومكابدة ومعاناة.

أما الأمومة البيولوجية، فهي أنَّ الأم هي التي حملت وولدت فقط ثم تركت ابنها لأي سبب من الأسباب، وهي أمومة قوية وعميقة لدى الأم فقط، ولكنها ليست كذلك لدى الابن أو البنت؛ لأنَّ الأبناء لا يشهدون الأمومة البيولوجية وإنَّما يشهدون الأمومة النفسية، ولذلك اهتم القرآن بالتوصية بالأم والتذكير بالأمومة البيولوجية التي لم يدركها الأبناء، فقد قال تعالى: ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ﴾.

أما الأمومة النفسية فهي أنَّ الأم لم تحمل ولم تلد بل تبنَّت طفلاً بعد فراقه من أمه البيولوجية، فرعته وأحاطته بالحب والحنان حتى كبر، وهذه الأمومة يعيها الطفل أكثر مما يعي الأمومة البيولوجية؛ لأنَّه أدركها ووعاها واستمتع بها، والأمومة النفسية سواء كانت جزءاً من الأمومة الكاملة أو مستقلة بذاتها تقسم إلى قسمين:- 

أ- الأمومة الراعية: وتشمل الحب والحنان والعطف والود والرعاية والحماية والملاحظة والتدليل.

ب- الأمومة الناقدة: وتشمل النقد والتوجيه والتعديل والأمر والنهي والسيطرة والقسوة أحياناً، وفي الأحوال الطبيعية يكون هناك توازن بين قسمي الأمومة، فنرى الأم تعطي الرعاية والحب والحنان وفي نفس الوقت تنتقد وتوجه وتعاقب أحياناً.

أما في الأحوال المرضية فنجد أنَّ هذا التوازن مفقود، فيميل ناحية الرعاية الزائدة والتدليل أو يميل ناحية النقد المستمر والسيطرة، وفي طبيعة المرأة ثلاث كيانات رئيسية «الأم، الزوجة، الأنثى»، ويمكن أن تشكل بحسب غلبة أحدها تلك الأنماط النسائية التالية:- 

1- المرأة الأم:- 

هي التي تتجه بكل مشاعرها نحو أطفالها، وتكون مشغولة طول الوقت بهم، وتدور كل سلوكياتها حول مركز واحد هو أبناؤها، وهذا النموذج يكثر وجوده في المجتمعات الشرقية.

2- المرأة الزوجة:- 

هي التي تتجه بمشاعرها نحو زوجها فتخلص له طول العمر وتكون أقرب إليه من أي مخلوق آخر، فهما دائماً يقضيان معظم الوقت معاً في البيت أو في الرحلات الداخلية أو الخارجية.

3- المرأة الأنثى:- 

هي المرأة التي تتميز بالنرجسية وحب الذات وتتجه بمشاعرها نحو نفسها وتتوقع من الجميع أن يدللوها وتغضب منهم إذا أغمضوا أعينهم عنها، فهي تريد أن تكون في مركز الاهتمام دائماً.

إذن، المرأة المتكاملة هي التي تتوازن فيها الكيانات الثلاث، فتكون أماً وزوجة وأنثى بشكل متكامل، وهذا لا يمنع أن تبرز إحدى الكيانات عن الأخرى في أوقات معينة، فتبرز الأم حين يمرض أحد الأبناء، وتبرز الزوجة حين يكون الزوج في محنة، وتبرز الأنثى في مرحلة منتصف العمر حين يكبر الأولاد وتقل احتياجاتهم لها، وحين ينشغل عنها الزوج فتعود حينئذ إلى نفسها لتدلّلها وتهتم بها وتتصرف بشكل يجذب اهتمام من حولها إليها.

أما غريزة الأمومة فهي من أقوى الغرائز لدى المرأة السويّة وهي تظهر لديها في الطفولة المبكرة حين تحتضن دميتها وتعتني بها، هذه هي الغريزة، وكثير من الفتيات يتزوجن فقط من أجل أن يصبحن أمهات، ودائماً لديهن حلم أن يكون لهنَّ طفل يعتنين به، ولولا هذه الغريزة القوية لعزفت معظم النساء عن الزواج.

كما أنَّ غريزة الأمومة أقوى من الحب الأمومي؛ لأنَّ الغريزة لها جذور بيولوجية «جينية وهرمونية»، أما الحب فهو حالة نفسية أقل عمقاً من الغريزة، والمرأة حين تُخيَّر بين أمومتها وبين أي شيء آخر فإنَّها في حالة كونها سوية تختار الأمومة بلا تردد، وكثيراً ما تدفع غريزة الأمومة المرأة إلى تفضيل وظائف بعينها، مثل التدريس وخاصة للأطفال، والتمريض، وطبابة الأطفال، ورعاية الأيتام، ويبدو التفضيل لغريزة الأمومة في مثل هذه المهن واضحاً.
الحرمان من الأمومة وأثره على الصحة النفسية.

لما كانت الأمومة غريزة بمثل هذه القوة، كان الحرمان منها شديد القسوة على المرأة العقيم؛ فهي تشعر أنَّها حُرِمَت من أهم خصائصها كامرأة، ومهما حاولت أن تعوّض هذا النقص، فإنَّها في النهاية تشعر بفراغ هائل وتشعر أنَّ لا شيء يمكن أن يملأ هذا الفراغ بداخلها، ولذلك تظهر أعراض الاضطرابات النفسية بكثرة حتى تجد لها مخرجاً، والمخرج يمكن أن يكون بتبنّي طفل تمنحه حب الأمومة أو التسامي بغريزة الأمومة من خلال رعاية الأيتام أو العمل في دور حضانة الأطفال أو رعاية أطفال العائلة أو غيرها، وهكذا نرى الأمومة من أقوى غرائز المرأة، وهي حين تتفتح تزين الدنيا بأرق وأرقى عواطف البشر وأبقاها.

 

 

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر: برنامج عالم الأمومة-الحلقة الأولى- الدورة البرامجية19.

 

تحدث معنا
يمكنكم التواصل معنا من خلال التحدث بشكل مباشر من خلال الماسنجر الفوري تحدث معنا