مسؤولية البيت
2020/01/31
3748

يتحمل الرجل مسؤولية الإنفاق في الأسرة، وهذا أمر يلزمه القانون الإسلامي ويعده من واجبات الرجل الأكيدة وحقاً من حقوق المرأة، إذ يتحمل الرجل جميع نفقات المرأة من غذاء وكساء ودواء، وفي حالة إمتناع الرجل عن الوفاء بالتزامه في أي من الموارد فإن ذلك المبلغ يبقى في ذمته.

والإنفاق من واجبات الرجل بمعزل عن وضع المرأة المعاشي، فحتى لو كانت ميسورة الحال يبقى حق النفقة على الرجل، ولا يحق للرجل أن يتصرف بأموال زوجته إلا في حالة رضاها أو طلبها، وما يأخذ من مال في غير هذه الحالة حرام شرعاً.

هذا هو الجانب الشرعي والقانوني في المسألة، غير أن للأسرة قانونها الخاص وهو قانون المحبة والتفاهم والإشتراك في الهموم والمصير، ولهذا فإن قاموس الأسرة السعيدة ليس فيه حتى مفردة واحدة من مفردات الأنانية.

فكل ما يجنيه الرجل من رزق تشترك في زوجته، وكل ما تجنيه المرأة من ميراث أو تجارة يأكل منه زوجها هنيئاً مريئاً، فليس في الحياة الزوجية مكان للأنانية والطمع والإستئثار، بل إنها تزخر بالمحبة والتضحية والإيثار.

يتولى الرجل مسؤولية تغطية نفقات الأسرة، إنه يسعى ليلاً ونهاراً من أجل توفير دخل مناسب لأسرته، فالموظف أو العامل عندما يستلم راتبه نهاية الشهر يقدمه على طبق الإخلاص لأسرته، إنه عرق الجبين وكدُّ الأيام وتعب الأعصاب، يتحول إلى نقود من أجل إنفاقها على زوجته وأبنائه، وهو لا يفعل ذلك إلا لأنه يحب أسرته، ولكن في مقابل ذلك ينتظر تقديراً لجهوده وعرفاناً لكفاحه في ميادين الحياة. ولذا فإنه ما إن رأى زوجته لا تقدر ذلك، فإن ثقته في تدبير زوجته وسياستها في تمشية شؤون الأسرة سوف تتزعزع.

وعادة ما تترك هذه التصرفات آثاراّ سيئة على حماس الرجل في العمل والسعي، وقد تنتابه هواجس من قبيل تفكيره في نفسه فقط فينفق على نزهاته الخاصة ما يحصل عليه من مرتب، مهملاً أسرته، فيصبح فرداً أنانياً وربّ أسرة فاشل.

عندما يثق زوجك بك ويسلمك ما يحصل عليه من كد اليمين وعرق الجبين، فلا يعني هذا أنك مطلقة التصرف تنفقين كيفما تريدين، يجب أن يكون هناك تفاهم حول مسألة الإنفاق، إنك لست صاحبة المال، إنك مجرد أمينة عليه وهذه المسألة أخلاقية حساسة، فأي تصرف في الأموال دون رضا الزوج يعد خيانة.
يقول رسول الله (صلى الله عليه وآله): ((خير نسائكم الطيبة الريح، الطيبة الطبيخ، التي إذا أنفقت أنفقت بمعروف، وإن أمسكت أمسكت بمعروف، فتلك عامل من عمّال الله لا يخيب ولا يندم)).

إن البيت وإن كان صغيراً في مساحته إلا أنه مملكة واسعة الإرجاء ونعمة إلهية كبرى أنعمها الله سبحانه وتعالى على الرجل والمرأة عندما يكونان زوجين متحابين يقف أحدهما إلى جانب الآخر ويأخذ بيده ويمضيان في الطريق طريق الحياة.

وما بيت الزوجة إلا قارب يشق الحياة، ربّانة الرجل وتساعده امرأته ويشتركان في المضي صوب شاطئ السعادة. البيت واحة وارفة في لهيب الحياة، أجل، الكفاح في ميادين العمل سعي وجهاد جهيد، وعندما يعود الرجل إلى البيت يحلم بتلك اللحظات التي يلتقط فيها أنفاسه ويستريح من عناء العمل.
والبيت مدرسة الأبناء تتبلور فيه شخصياتهم ويتعلمون فيه ألف باء الحياة، ينتهلون في ظلاله ثقافاتهن فإن كان البيت دافئاً خرجوا منه دافئين طيبين وإن كان هادئاً وَلِجُوا الحياة الإجتماعية في بحر الحياة خيّرين ينشدون الخير والصلاح لمجتمعهم وأمتهم.

ولو كان البيت لاسمح الله خاوياً على عروشه مقفراً من كل خفقة محبة ونسمة حياة طاهرة خرجوا إلى المجتمع أناساً يعانون من ضغط العقد النفسية.

إن البيت والأسرة هي المنطلق والقاعدة التي تحدد نوع الأفراد في المجتمع الإنساني، وتتحمل الامُّ مسؤولية كبرى في تربية الأبناء.
إن ربّة البيت ليست امرأة عاطلة بل إنها مديرة إدارية من الطراز الأول؛ ومدرسة تعلم أبناءها الحياة، ومعلمة أخلاق تُرضع أطفالها لبناً مفعماً بالحنان والخُلق، من أجل هذا قال رسول الله: ((الجنة تحت أقدام الأمهات)).

إن السيدات المتعلمات يتحملن مسؤولية أكبر من غيرهن؛ لأن عليهن أن يثبتن للآخرين أن طلب العلم لن يؤثر أبداً على دور المرأة كربة بيت، بل إن العلم والثقافة سوف يسهم في صنع مجتمع أفضل من خلال تربية أبناء صالحين.

وإنها لذريعة غير منطقية أن تتعلل المرأة وتتأخر في أداء الإعمال المنزلية بحجة أنها متعلمة؛ لأن العلم عندها ليس هدفاً بل هو وسيلة من أجل حياة أفضل، على المرأة المتعلمة أن تكون ربة بيت ناجحة، تعرف كيف تصون أسرتها زوجاً وأبناءً من كل ما يسئ إلى العلاقات العائلية ويعرض دفء الحياة الأسرية للخطر.

يعد السكن جزءاً أساسياً من ضروريات الحياة، ويعتبر عنصر إستقرار للحياة بشكل عام وللحياة الزوجية بشكل خاص، فإن الإنسان إذا وفقه الله عز وجل إلى سكن مريح أوسع، وإلى زوجة مطيعة ومخلصة؛ فإن هذا الإنسان يكون محظوظاً، والزوج من الناحية الشرعية ملزم بتأمين مسكن شرعي لزوجته، وهو من النفقة الواجبة عليه تجاه زوجته.

والمجتمع العائلي الصغير وإن كان محسوباً جزءاً من المجتمع الكبير، إلا أنه يتمتع بنوع من الإستقلال الداخلي، ومن هنا فإن إصلاح المجتمع العام لابد أن يبدأ من إصلاح الأسرة،  وهي تلك القاعدة الحياتية الحساسة ومدرسة التعليم والتربية الإجتماعية التي تتكفل المرأة بإدارتها، أي أن رُقي المجتمع وانحطاطه وصلاحه أو فساده إنما هو في يد المرأة وخاضع لإرادتها، بناء على ذلك فإن إدارة البيت تعتبر مهنة شريفة جداً وباعثة على الإفتخار، إن السيدة المطَّلعة بإدارة بيتها يجب أن تفتخر لكونها قد إحتلت منصباً حساساً كهذا وبالتالي يجب أن تجتهد وتضحي في عملها من أجل رقي الأمة وتقدمها.

والسيدات المتعلمات أيضاً لديهن في هذا المجال مسؤولية، بل إن مسؤوليتهن هنا أكبر وأعظم ؛ فيجب عليهن أن يكن قدوة للأخريات بإعطائهن دروساً عملية في إدارة البيت وفي رعاية الزوج، يجب أن يثبتن عملياً بأن كون المرأة المتعلمة لا يؤثر على سير الإدارة اليبيئية والرعاية الزوجية، بل إن ذلك يعلمها منهاج الحياة ويجعلها متفوقة في هذه المجالات. إن المرأة المتعلمة يجب أن تدير حياتها الأسرية على أفضل وجه وأن تكون فخورة بذلك العمل الشريف وهو إدارتها لبيتها والقيام بشؤونه، فتثبت بذلك لياقة المرأة المثقفة وتفوقها، لا أن تُعرِض بحجة كونها متعلمة ومثقفة عن الأعمال المنزلية مطلقاً، فتسيء بهذه الطريقة إلى السيدات المثقفات وتشوه سمعتهن؛ إن الدرس والتحصيل ليس هو من أجل البطالة والتهرب من المسؤولية، وإنما هو بالنسبة للمرأة من أجل أن تصبح ربة بيت وتتعلم دروس الحياة.

بالرغم من أن زوجك يأتي بكل ما لديه إلى البيت ويضعه تحت تصرفك، إلا أنه لا ينبغي أن تتصوري أن هذه الأموال أصبحت ملكاً لك، فزوجك هو المالك الحقيقي شرعاً وقانوناً وأما أنت فتعتبرين أمين البيت، وعلى هذا فجميع تصرفاتك يجب أن تكون بإذن زوجك وبرضاه، ولايحق لك بدون رضاه أن تمنحي شيئاً لأحد أو تقدِّمي إليه هدية حتى لو كان هذا من أقاربك أو أقاربه، فأنتِ أمين الأسرة وتحملين مسؤولية في هذا المجال وإذا خنتِ هذه الأمانة فسوف تحاسبين على ذلك بشدة يوم القيامة، جاءت امرأة إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقالت:  يا رسول الله ما حق الزوج على المرأة؟ فقال لها: ((تُطيعه ولا تعصيه ولا تتصدق من بيته بشيء إلا بإذنه)).



ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر: برنامج مساكن طيبة - الحلقة العاشرة - الدورة البرامجية32.

تحدث معنا
يمكنكم التواصل معنا من خلال التحدث بشكل مباشر من خلال الماسنجر الفوري تحدث معنا