المسؤولية الأسرية الملقاة على عاتق الوالدين اليوم ليست بالسهلة، ومردّ ذلك إلى تعقّد مشهد الحياة وتدخّل عوامل مؤثرة وبقوة سلبية باتجاه انحراف الأبناء وتشويش أفكارهم، ولنا أن نتخيل صعوبة الظروف في عصرنا الحاضر كأب يقود سيارته في وسط شارع متعرّج مع صعوبة في الحركة وازدحام وتشكّل الضباب المعيق للرؤية، أو كقبطان سفينة يسير بها وسط بحر تتلاطم فيه الأمواج وتتلاعب به الرياح الهائجة، ولا مصدر أمان ونجاة وسلامة من أخطار الحياة إلا من خلال مهارة السائق أو الربان في تفادي انفلات زمام الأمور!
كذلك الحياة اليوم تعجّ بالمشاغل التي تُضعف من علاقة أفراد العائلة بوالديهم وتواصلهم وحديثهم مع بعضهم البعض والاهتمام بشؤون وتطلعات الآخر، وليس معنى ذلك بالطبع هو الرضوخ لطبيعة الظروف المستجدة في حياتنا بنتائجها السلبية، بل ما نسلّط الضوء عليه هو حجم اهتمام رب الأسرة بمستجدات الأمور في حياتهم وكيفية التعامل معها مع وضع برنامج وحلول يتلافى من خلالها الآثار السلبية قدر الإمكان، فالتواصل الأسري وتفقّد أحوال الآخر وترسيخ قيم المحبة والاحترام والثقة والتعاون بينهم من أهم المهام الأسرية، فالتحديات المختلفة في مواجهتها وتجنّب آثارها يعتمد الأمر على ثقافة الوالدين وبصيرتهم بالظواهر الفكرية والسلوكية السلبية، فكيان الأسرة القوي يجابه ما ينخر بناءه وقد يقوّض أعمدته في لحظات غفلة من الوالدين.
وبناء شخصية الأبناء فكرياً واجتماعياً وأخلاقياً بما يسعفهم على خوض غمار تحديات الحياة وتحقيق تطلعاتهم من أهم الواجبات الأسرية، وفي سبيل تحقيق ذلك لا بد أن يكون الوالدان عامل تشجيع وتحفيز على التقدم والتفوق، وما يواجهه الأبناء من ضغوط حياتية وعثرات ومشاكل في مشوار عملهم يحتاج إلى وقفة ومساندة من الوالدين، من خلال تقديم التوجيهات والخبرات ومساعدتهم في تخطي تلك العقبات، كما أن أجواء الحب والحنان تبث في الأبناء الثقة بالنفس وتمسح عن جباههم عرق الضعف والتردد، فاكتحال العين برؤية أبناء صالحين ومتفوقين ويمتلكون درجة عالية من الأخلاق والتعامل الحسن مع الناس لا يأتي من فراغ، بل هو نتاج تربية ومتابعة وعمل على توفير أجواء التفاهم والانسجام بين أفراد الأسرة.
أمر تكوين أسرة مستقرة وناجحة ليس صعباً بل هو قرار يتخذه الوالدان وعمل مستمر كمزارع يبذر الأرض وينتظر بفارغ الصبر يوم الحصاد لعمله، فالتفاهم بين الزوجين هو أساس الاستقرار الأسري، ولذا فإنه من المهم أن يعقدا جلسات الحوار وتبادل وجهات النظر والمشاركة في اتخاذ القرارات إذ اليد الواحدة لا تصفق.
الأجواء العائلية الجذابة والمحاطة بالمحبة أهداف يعمل الوالدان على تحقيقها وتنميتها، إذ الأجواء المشحونة بالخلافات والمشاحنات تحوّل البيت إلى قِدر يغلي لا يمكن الاقتراب منه، وحينئذ يبحث الأبناء عن الحضن الدافئ والشخص الذي يهتم بهم ويفهم تطلعاتهم من خارج البيت، فالجانب النفسي والعاطفي يكتسبه الأبناء من تعامل الوالدين معهم مما يعزز ثقتهم بأنفسهم، كما أن الأفكار والسلوكيات غير المقبولة لا يتم تقويمها وتصحيحها بالعنف اللفظي أو بالإهمال، بل بتكوين قناعة عند الأبناء بالفكر الصحيح والسلوك القويم من خلال عرض النقاط السلبية لأي تصرف مشوّه وغير محبوب، فالأسلوب التربوي للتعامل مع تصرفات الأبناء هو توضيح جوانب الأمر مع إفساح المجال لهم لاتخاذ القرار وتكوين القناعات دون أي إجبار لهم.
تربية الأبناء تحتاج إلى سعة الصدر وتحمّل ما يصدر من الأبناء من مخالفات أو أخطاء أو تقصير في واجباتهم المدرسية والمنزلية، فالوالدان أكبر داعم لأبنائهم في مسيرتهم في الحياة وأكثر من يفهم ما يريدون، فما أعظم الآباء والأمهات الذين يعقدون علاقة صداقة مع أبنائهم ويكونون قريبين من طريقة تفكيرهم ومشاعرهم، وحينها سينعم جميع أفراد الأسرة بالوداد والوئام الأسري.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نشرة الخميس/ نشرة أُسبوعيةٌ ثقافيةٌ (مجانية) تصدر عن العتبة
العباسية المقدسة/ العدد 980.
السيد فاضل الموسوي
المشورة نافذة البصيرة وقوة الفكر
اقلام على خطى الزهراء (عليها السلام)