الحكمة هي تاج الفضائل ومنبع الخير الكثير، بها يبلغ الإنسان أعلى مراتب المعرفة، ويسمو إلى غايات التعقُّل. وقد جعلها الله تعالى منزلةً رفيعة، فقال عزَّ من قائل: ﴿يُؤْتِي الحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ وَمَن يُؤْتَ الحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الألبَابِ﴾ (البقرة: 269).
والحكمة ليست محض معرفة عقلية، بل هي طاعة لله تعالى ومعرفة للإمام المفترض الطاعة، واجتناب للكبائر، وتعمُّق في الفقه، واتِّزان في القول والعمل.
الحكمة سياج يقي الإنسان من مزالق الفتن ومساوئ الخُلُق، ويعلِّمه الاقتصاد في الكلام؛ فإنَّ قلَّة الكلام تستر العيوب وتخفِّف الزلَّات. وقد روي عن لقمان الحكيم (عليه السلام) أنَّه قال لابنه: «يا بني، جالس العلماءَ وزاحمهم بركبتيك، فإنَّ اللهَ عزّ وجلّ يحيي القلوبَ بنور الحكمة كما يُحيي الأرضَ بوابل السماء» (بحار الأنوار: ج1/ص204/ح22).
فمجالسة الحكماء حياةٌ للقلوب، وشفاءٌ للنفوس، وزيادة في النور والعلم والحلم.
لم يُعرف في التاريخ بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) أحد أفصح وأقوى حجة من أمير المؤمنين (عليه السلام)، فقد أرفد الأمة بحِكَمِه البليغة وكلماته العميقة التي شهد لها الموافق والمخالف، إذ قال (عليه السلام): «الحكمة روضة العقلاء، ونزهة النبلاء» (غرر الحكم: ص177)، وقال أيضًا: «الحكمة شجرة تنبت في القلب وتثمر على اللسان» (غرر الحكم: ص364).
وهكذا كان دأب علمائنا عبر العصور، فحين اشتعلت الفتن بسُموم المنحرفين، تصدُّوا لها بالحكمة والحلم، فأطفؤوا نارها، وحفظوا الدين من الانهيار.
الحكمة ليست شأنًا فرديًّا فحسب، بل هي أساس الاستقرار الأسري والاجتماعي.. فعلى الأب أن يكون حكيمًا في بيته، عليمًا حليمًا فقيهًا، يضع الأمور في مواضعها، ويحسن تربية أبنائه؛ فإنَّ الطفل يرى في والده النموذج الأعلى، فإذا صلح الأب صلحت الأسرة.
ولهذا وصف الله تعالى كتابه بلفظ الـ(قرآن الحكيم) في سورتي (يس: 2) و(لقمان: 2)، إذ جاءت آياته بأجمل الألفاظ وأوضح المعاني، حاملة للحِكم والعِبر التي توافق كلَّ زمان ومكان (5).
الحكمة ليست زينة للعقل فحسب، بل هي صراط النجاة، وسرُّ البصيرة، ونورٌ يضيء القلب ويقوِّي الحجة. ومن أرادها، فليُلازم أهلها من العلماء، وليتأدَّب بأدب القرآن، وليجعلها ميزانًا في القول والعمل.. فبالحكمة تُبنى النفوس، وتستقيم الأسر، وتُصان المجتمعات من الفتن.