أركان القدوة
2020/11/30
835

لا تتحقق القدوة في الشخص إلا إذا اجتمعت لديه مجموعة من الأركان والخصائص التي تجعله قدوة في نظر الآخرين، ومن جملة ذلك ما يأتي:- 

1- الصلاح:

وهي حالة أو هيئة تظهر عند الشخص تتكون نتيجة عوامل متعددة من أبرزها «عند أصحاب الأديان»: الإيمان، وحسن الاعتقاد بالدين الذي ينتسب إليه، والفضائل التي ينادي بها، وكذلك لا بد من توفر العبادة وهي العمل بأحكام ذاك الدين والشرائع التي سنت فيه، وبالتالي الابتعاد عن كل ما هو مخالف لهذه الشريعة، ثم إنَّ الصلاح يحصل من خلال الإخلاص، والذي هو الأساس الهام للصلاح؛ لأنَّه هو العنصر الذي يظهر ويتجلى في حركات وسكنات المقتدي، فبواسطته يبتعد المقتدي عن الأهواء النفسانية والأغراض الدنيوية قولاً وعملاً، وبه تتجلى حقيقة العبادة.

2-حسن الخلق:

لعل حسن الخلق عامل أساسي في شخصية القدوة، يظهر عند تعامل المقتدى مع الناس، ومن هنا جاء قول الرسول(ص وآله): «إنَّما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق»؛ للدلالة على جوانب القدوة في شخصيته، إذ يبين ما تحتويه وما تختزنه هذه الشخصية من مكارم وفضائل، وليبين أهداف البعثة والتي هي إيصال الأخلاق إلى أوجها، مما يجعل هذه الشخصيات محط أنظار الغير، ومؤثرة في حركتها وحياتها الاجتماعية، من جهة أخرى فقد تحدث الإسلام وحدد بعض المفاهيم التي تندرج في إطار تحسين الأخلاق في التعامل مع الآخرين، ومن أبرز ما جاء به: «الصدق، الصبر، الرحمة، الرأفة، الشفقة، التواضع، وغيرها».

3- موافقة القول للعمل:

إنَّ من المقتضيات الأساسية لصيرورة الشخص قدوة أن يشاهده المقتدون وقد توافق قوله مع عمله؛ لأنَّ الناس تدرك حقيقة المفاهيم والفضائل إذا تجلت أفعالاً.
وقد تحدث القرآن الكريم حول أهمية الموافقة بين القول والعمل موجهاً خطابه إلى المؤمنين: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ* كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ الله أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ﴾.

وقد توجه النبي شعيب(عليه السلام) إلى قومه كما يحدثنا القرآن الكريم في قوله تعالى: ﴿وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ﴾، وهذا خير دليل على موافقة بين القول والعمل.

4-الابتعاد عن مواطن الشبهات:

قد يكون الشخص صالحاً، حسن الأخلاق، عاملاً بما يقول، ولكنه لا يؤثر في الآخرين؛ لكثرة اقترابه من مواطن يشتبه بها، بحيث لا يمكن للآخرين التمييز فيها بين الحق والباطل، وبين نسبة الفعل الباطل إلى فلان أو إلى فلان، فقد ينسبون ذلك إلى الإنسان الصالح جهلاً، وهنا تترتب على الإنسان مسؤولية الابتعاد عن مواطن الشبهات، فكما ذكر أنَّ من وضع نفسه في مواطن الشبهة، فلا يلومن من أساء الظن به، فالمسؤولية هنا مزدوجة، حيث ينبغي على المؤمن الابتعاد عن مواطن الشبهة، وعليه أيضاًً الابتعاد عن سوء الظن، والتسرع في نسبة الأحكام.

5- عدم التكلف: 

من جملة الأمور التي يمكن الحديث عنها كأساس وأصل للقدوة أن لا يتكلف الشخص ذلك، فلا يفعل ليرى الناس ولا يماري في عمله، بل القدوة هو الذي يؤمن ويعتقد ويعمل بذلك من دون تكلف ولا مجاراة ولا طلب من أحد، فهو شخص يعيش ضمن إطار قناعاته، فيتصرف على أساس ذلك في السر والعلن، ولعل هذا الأمر موقوف وإلى درجة كبيرة على مقدار تربية الشخص لنفسه وجعلها تتحرك في إطار الكمالات، وذلك في تفاصيل الحياة الاجتماعية كافة.
فإذا كان للقدوة ذلك الدور الهام والضروري، فإنَّ الأهمية والضرورة تبرز عند الحديث عن دين إلهي يحمل في طياته القيم الإنسانية الراقية التي ترتفع بالإنسان إلى أعلى مستويات الصفاء والطهارة والرقي، فتجعله في مصاف الأخيار والصالحين والمفيدين على مستوى الاجتماع البشري، ولكن وقبل كل شيء وكما نلاحظ من بعض الروايات الشريفة الواردة عن الأئمة المعصومين(عليهم السلام) فإنَّهم كانوا يدعون بأتباعهم ليجسدوا الدين والدعوة الإلهية بأعمالهم وأفعالهم قبل الأقوال، وهذا يعني أنَّ دين الله تعالى يتجسد بشكله الواقعي إذا كان مدَّعو الأديان يجسدون حقيقة الدين بشكل عملي، ومن هنا ينبغي القول أنَّ نشر دين الله تعالى لن يتحقق بشكله الحقيقي إلا إذا عمدنا إلى تربية أشخاص يجسدون القدوة في حياتهم وممارساتهم العملية، وهذا يعني أنَّ الشخصانية يجب أن تبرز في المستوى الضروري لتقديم صورة عن الدين، وبذلك نضمن قبول الآخرين وإيمانهم وثباتهم.

 

 

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر: برنامج المثل الأعلى-الحلقة الرابعة.


 

تحدث معنا
يمكنكم التواصل معنا من خلال التحدث بشكل مباشر من خلال الماسنجر الفوري تحدث معنا