إنّ الزكاة بصورة عامة، هي إحدى الدعائم الإسلامية وهي مما تتعلق بالمظاهر الاجتماعية، وهي رمز التكافل بين أبناء الأمة الإسلامية، ولها فوائد جمة، وقد وضعها الإسلام مادة من دستوره الخالد، وأوجب على الناس كافة الأخذ بها، كما أنذر تاركيها بالعذاب.
فعن محمد بن مسلم (رحمه الله) عن الإمام الباقر (عليه السلام) أنّه قال: «ما من عبدٍ منع من زكاة ماله شيئاً إلا جعل اللهُ ذلك يوم القيامة ثعباناً من نار مطوّقاً في عنقه ينهش من لحمه حتى يفرغ من الحساب، وهو قول الله عزّ وجلّ: ﴿سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ﴾ (آل عمران: 180)، يعني: ما بخلوا به من الزكاة» (مَن لا يحضره الفقيه: ج٢/ص١٠)، وعن الإمام الكاظم (عليه السلام) قال: «إنما وُضعت الزكاةُ قوتاً للفقراء وتوفيراً لأموالهم» (مَن لا يحضره الفقيه: ج٢/ص4).
الزكاة لغةً:
الزكاة كما جاء بلسان العرب: بمعنى الطهارة، والنماء، والبركة، فالزكاة مطهرة للأموال، وزكاة الفطرة مطهرة للأبدان، وعن الإمام الباقر (عليه السلام) أنّه قال: «زكاة الأرض يبسها»، يريد طهارتها من النجاسة كالبول بأن يجف ويذهب أثره.
وفي مجمع البحرين: الزكاة وهي إمّا مصدر (زكى) إذا نما، لأنّها تستجلب البركة في المال وتنمية وتفيد النفس فضيلة الكرم، وإمّا مصدر (زكا) إذا طهر؛ لأنّها تطهر المال من الخبث والنفس من البخيلة من البخل.
الزكاة اصطلاحاً:
إخراج شيء من الأموال التي تتعلق بها الزكاة. وفي عبارة أخرى: صدقة مقدرة بأصل الشرع ابتداء تثبت في المال أو في الذمة للطهارة لهما فزكاة المال طهر المال وزكاة الفطرة طهر للأبدان. قال الله تعالى: ﴿خُذ من أموالهم صدقةً تطهِّرُهم وتزكِّيهم بها﴾ (التوبة: 103).
إشكال:
إنّ المعنى اللغوي للزكاة هو: النمو والزيادة، وفي الاصطلاح الشرعي: إخراج شيء من المال، والظاهر أنّ الإخراج يُنقصُ المالَ، فكيف يجتمع هذا مع ذاك؟
وردّ:
إنّ الزكاة هي من أكبر عوامل البركة، ومعنى البركة: النمو والزيادة، كما ورد في الحديث: «إنّما وُضعت الزكاة قوتاً للفقراء وتوفيراً لأموالهم»، وهنا نضرب مثالاً لتوضيح حصول الزيادة والنمو في حقِّ المعطي للزكاة..
لو فرضنا أنّ شخصاً غنياً يعمل في إحدى الموارد الزكوية، كالغلات الأربع، يعمل طول السنة يزرع ويحصد، ثم يصرف وينفق مؤونة له ولعياله من ذلك. وإذا صار يوم محاسبته لإخراج زكاته، له جميع ما صرفه وتنعم به، ومما زاد على ذلك كلِّه يخرج منه شيئاً قليلاً ويقدمه لمن يستحق من الأصناف الثمانية، ومنهم الفقير.
وفي هذه الصورة يشعر الفقير الذي يأخذ الحقّ من الغني بالاطمئنان والاستقرار النفسي، وبهذا الحقِّ يعمل الفقير به ويكتسب مالاً لينفق على نفسه وعياله، وحينئذٍ لن يبقى فقير محتاج إلى غيره. وهنا تتحقق معنى البركة والنمو والزيادة في هذا الحقّ المعطى.
فلو كانت الأُمة الإسلامية تأخذ بهذا المبدأ، وتعمل به وفق ما أراده الله تعالى لعباده لن يبقى معوز ولا محتاجٌ، ولن تكون هناك طبقية مالية ولا اجتماعية.
إن عامل الاقتصاد هو المقوّم للحياة والناهض بها، وهو أساس الملك وترتقي به الأُمة، فالالتزام بالإسلام وبمبادئه وقوانينه الاقتصادية، يستقر الملك، وتسمو أخلاق الأُمة، وبذلك يسعد الجميع الفقير والغني معاً.
__________________________________________