تجلت في حنايا روحي نسمة أمل، ترجو
رضا الإله، وتتطلع إلى وصل للشفيع.. مرضاتها ضمان لولوج
الجنان.. معرفتها إدراك لخير الليالي وأعظمها
قدراً.. فيها يتسابق الوالهون بألوان القيام
والتضرع والتهجُّد لينالوا رحمة الرب الكريم. كثيرة هي الروايات والأحاديث التي
أفاضت علينا بأنواع الدرر والجواهر والجوائز التي تُهدى وعلى طبقٍ من
ذهب للذين يجتهدون بالتقرب إلى الله تعالى بأخلص العبادات وموفور
المناجاة في ليلة القدر.. لكن.. أنِّى لهم أن يدركوا هذه
الليلة؟! حتى يعترفوا بفضل بضعة النبي فاطمة (عليها السلام) ويقروا
بحبِّها وبحبِّ بعلها وبنيها (عليهم السلام)، لأنّ من موجبات إدراك
هذه الليلة الجليلة والعظيمة القدر التي هي عروس الليالي وتاج خير
شهور الله سبحانه وفيها يفرق كلُّ أمر حكيم: الاعتراف بحبِّ الزهراء
(عليها السلام) وأحقيّتها والإقرار بفضلها، فعن الإمام الصادق (عليه
السلام) أنّه قال: «﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ القَدْرِ﴾:
الليلة فاطمة، والقدر الله، فمن عرف فاطمة حق معرفتها فقد أدرك ليلة
القدر، وإنّما سُمّيت فاطمة؛ لأنّ الخلق فُطموا عن معرفتها» (تفسير
فرات الكوفي: ص٥٨١). إذن، فخير ليلة في السنة قد تُوِّجت
باسم خير نساء العالمين (عليها السلام)، فحبُّها وذريتها خير من عبادة
ألف شهر وقيام الدهر، فقد روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه
قال: «من قرأ إنا أنزلناه في ليلة القدر، في فريضة من فرائض الله عز
وجل، نادى منادٍ: يا عبد الله، قد غُفر لك ما مضى، فاستأنف العمل»
(أعلام الدين، للديلمي: ص٣٨٣)، وروي أنّ الإمام الكاظم (عليه السلام)
قال: «عجباً لمن لم يقرأ في صلاته إنا أنزلناه في ليلة القدر، كيف
تُقبل صلاته؟» (الغَيبة، للشيخ الطوسي: ص٤٠٥). فقبول العبادات والطاعات من قبل الله
سبحانه وتعالى مقرون بذكر السيدة فاطمة (عليها السلام)، وعن سلمان
المحمدي قال: قال النبي (صلى الله عليه وآله): «يا سلمان، مَن أحبّ
فاطمة ابنتي فهو في الجنّة معي، ومَن أبغضها فهو في النار. يا سلمان،
حُبُّ فاطمة ينفع في مِاْئة من المواطن، أيسر تلك المواطن: الموت،
والقبر، والميزان، والمحشر، والصراط، والمحاسبة، فمن رضيت عنه ابنتي
فاطمة رضيتُ عنه، ومَن رضيتُ عنه رضي اللهُ عنه، ومن غضبت عليه ابنتي
فاطمة غضبتُ عليه، ومَن غضبتُ عليه غضب اللهُ عليه. يا سلمان، ويلٌ
لمن يظلمها ويظلم بعلها أمير المؤمنين عليّاً، وويل لمن يظلم ذرّيتها
وشيعتها» (مقتل الحسين (عليه السلام)، للخوارزمي:
ج١/ص١٠٠). فكيف يريد الذين ينكرون حقها
ويبغضونها ويقتلون ذريتها ويعادون محبيها أن تُقبل صلاتهم وصومهم
وسائر عباداتهم في هذه الليلة العظيمة وفي غيرها من
الليالي؟! فهم وإن أدُّوا فرائضهم وحافظوا على
أوقاتها وأجهدوا أنفسهم في النوافل والمستحبات فإنّها تذهب هباءً
منثوراً؛ لأنّها خالية جوفاء من المعنى الحقيقي لها والغاية التي
وُجدت من أجلها، وهي الإقرار بأحقيّة أهل البيت (عليهم السلام)، ومن
ضمنهم السيدة الزهراء (عليها السلام)، ولو افتدوا بأعمالهم تلك وزن
الأرض ذهباً لن يتقبلها الله منهم، فقد ورد عن أبي جعفر الثاني (عليه
السلام): «إنّ الناس لما قتلوا الحسين بن علي أمر الله عز وجل ملكاً
ينادي: أيتها الأمة الظالمة القاتلة عترة نبيها، لا وفقكم الله لصومٍ
ولا فِطر» (الكافي: ج٤/ص١٦٩/ح1). وكما تعلمون أنّ من أحبّ شخصاً سعى
لمرضاته وسار على نهجه واقتفى أثره، فهنيئاً لمن أحبّ السيدة الزهراء
(عليها السلام) وذريتها وعرف مكانتهم السامية عند الله عز وجل، وترجم
هذا الحب إلى عمل خالص عبر الالتزام بما جاءت به شريعة أبيها المصطفى
(صلى الله عليه وآله) وآل بيته الميامين (عليهم السلام)، وترك ما نهوا
عنه؛ فهذا هو الإدراك الحقيقي والمعرفة الحقة بهم وبعقيدتهم وبدينهم
السماوي.
✍️ زينب حسين
__________________________________________
نشرة الكفيل/نشرة أُسبوعيةٌ ثقافيةٌ
(مجانية)، تتناولُ المعارفَ القُرآنيةَ، والعقائديةَ، والفِقهيةَ،
والتاريخيةَ، والأخلاقيةَ، والتربويةَ، والاجتماعيةَ، والصحيةَ
بأُسلوبٍ مبسّطٍ ومختصرٍ، تصدر عن العتبة العباسية المقدسة/ العدد
1013.
تحدث معنا
يمكنكم التواصل معنا من خلال التحدث بشكل مباشر من خلال الماسنجر الفوري
تحدث معنا