الدعاء والحس الاجتماعي
2024/10/19
96

الدعاء والحس الاجتماعي

الإنسان اجتماعي بطبعه، الإنسان يحتاج إلى المجتمع، الإنسان يحتاج إلى أن يشعر بمَن حوله، الإنسان يحتاج إلى أن يتواصل مع مَن حوله، ورد عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنّه قال: «أفاضلكم؛ أحاسنكم أخلاقاً، الموطؤون أكنافاً، الذين يألفون ويؤلفون» (الكافي: ج2/باب حسن الخلق)؛ أيْ: المتواضعين، يألفون الآخرين ويألفهم الآخرون؛ لأنّهم يملكون حسّاً اجتماعياً.

كلُّ إنسان يحتاج أن يمتلك حسّاً اجتماعياً، حتى يعيش مع المجتمع في مسيرة واحدة، في بناء واحد، وهذا الحسُّ الاجتماعي يغذيه الدعاء، كأدعية أهل البيت (عليهم السلام)، مثل: دعاء مكارم الأخلاق، دعاء أبي حمزة الثمالي، دعاء الافتتاح.. أدعية تُحسِّسك بأوضاع مَن حولك، أدعية تغذيك بأنَّك جزء من المجتمع، ولا يمكن أن تنفصل عن المجتمع، فلا بدَّ أن تعيشَ هموم المجتمع وقضاياه.

الإمام زين العابدين (عليه السلام) يركز في دعائه على القضايا عندما يقول: «اللّهُمَّ إنِّي أَعْتَذِرُ إلَيْكَ مِنْ مَظْلُومٍ ظُلِمَ بِحَضْرَتِي فَلَمْ أَنْصُرْهُ، وَمِنْ مَعْرُوفٍ اُسْدِيَ إلَيَّ فَلَمْ أَشْكُرْهُ، وَمِنْ مُسِيءٍ أعْتَذَرَ إلَيَّ فَلَمْ أَعْذِرْهُ، وَمِنْ ذِيْ فَاقَةٍ سَأَلَنِي فَلَمْ اُوثِرْهُ، وَمِنْ عَيْبِ مُؤْمِنٍ ظَهَر لِي فَلَمْ أَسْتُرْهُ.. اللّهُمَّ سَدِّدْني لأَنْ أُعارِضَ مَنْ غَشَّنِي بِالنُّصْحِ وَأجْزِيَ مَنْ هَجَرَنِي بِالبِرِّ وَأُثيبَ مَنْ حَرَمَنِي بَالبَذْلِ وَاُكافِي مَنْ قَطَعَنِي بِالصِّلَةِ وَأُخالِفَ مَنْ اِغْتابَنِي إلى حُسْنِ الذِّكْرِ» (الصحيفة السجادية)، إذن الإمام (عليه السلام) يعلمنا أنّ الدعاء انفتاح على المجتمع، الدعاء تربيةٌ للحسِّ الاجتماعي، الدعاء ليس محراباً ولا مناجاةً فقط، بل الدعاء شعور بآلام المجتمع وهمومه، وتربية على الإحساس بالمسؤولية الاجتماعية.

الإمام الكاظم (عليه السلام) كان يقول: «كانت فاطمة عليها السلام إذا دعت تدعو للمؤمنين والمؤمنات ولا تدعو لنفسها، فقيل لها: يابنت رسول الله صلّى الله عليه وآله إنّك تدعين للناس ولا تدعين لنفسك؟ فقالت: الجار ثمُّ الدار» (علل الشرائع: ج2/ص182)، تعلّمنا الزهراء (عليها السلام) أنّ الدعاء إحساس بالمجتمع، الدعاء مسؤولية اجتماعية، الدعاء ليس علاقة محضة مع الله تعالى، بل علاقة مع الله تفتح للإنسان علاقة بالمجتمع.

هذه حاجات أساسية جذرية في داخل الإنسان، يحتاج منها إلى الدعاء، فالدعاء هدفٌ ينسجم مع ذات الإنسان، ومع غريزة الإنسان، ومع الحاجات الأساسية للإنسان، لذلك قال تبارك وتعالى: ﴿قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ﴾، لولا دعاؤكم لعشتم: (بدون حاجات أساسية، بدون إنسانية، بدون فطرة)؛ لأنّكم لا تلبُّون حاجاتكم الأساسية الإنسانية إلّا عن طريق الدعاء.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نشرة الخميس/ نشرة أُسبوعيةٌ ثقافيةٌ (مجانية) تصدر عن العتبة العباسية المقدسة/ العدد1006.

✍️ السيد منير الخبَّاز

 

تحدث معنا
يمكنكم التواصل معنا من خلال التحدث بشكل مباشر من خلال الماسنجر الفوري تحدث معنا