مصائد من عسل
2024/06/20
414


تتموضع في عصرنا الراهن منصات التواصل الاجتماعي كسوق عام للأفكار والثقافات، تُظهر نفسها كفضاءات ترفيهية تقدّم التسلية والتغيير لمن يبحث عن استراحة من روتين الحياة اليومي، ومع ذلك خلف قناع الترفيه هذا تكمن مصيدة عسلية ماكرة، حيث يجري ضخ ثقافي مُوجّه ومُحكم، ليس فقط لإشباع رغبات المستخدمين؛ وإنما أيضاً لإعادة صياغة وعيهم وتشكيل فكرهم.

تعمل هذه المنصات عبر تكرار الرسائل والأفكار من خلال نشر محتوى متكرر أكثر من (1500) مرة؛ لتنشئ عقلاً جمعياً يتبنّى معتقدات وأنماط سلوك غير شرعية دون تفكير نقدي أو تحليل عميق، يُخيل إلينا أن العالم بأجمعه قد ضُغط إلى داخل قطعة هاتف صغيرة، مما يقزّم الحقائق ويضخّم الأوهام. 

لقد أثبت التاريخ أن انهيار الدول لا يتطلب الحروب والغزوات فحسب، بل قد يتم بهدوء عبر مصائد ناعمة تنخر في الأخلاق والقيم، سقوط الأندلس مثالاً يُعد شاهداً تاريخياً قوياً على أن الضعف الأخلاقي وتراجع القيم يمكن أن يهيئ المجتمعات للسقوط بيد الآخرين بقدر ما يفعل الغزو العسكري.

لذا من الضروري أن نستفيق على هذه الحقيقة ونقاوم الإغراءات العسلية لهذه المصائد بنشر الوعي وتعزيز القدرات النقدية.. ويجب أن نتسلّح بالمعرفة ونعزّز سُبل الفهم العقلاني لنكون أصحاب قرار في عالم متقلّب، لا مجرد أدوات في يد الجهات الراغبة في توجيه الرأي العام لمآربها الخاصة.

لذلك مع تزايد تدفق المعلومات وتعدد وسائل النشر، أصبح من الضروري بمكان أن نمارس درجة عالية من اليقظة والتدقيق فيما يُقدم لنا عبر منصات التواصل الاجتماعي، هذه المنصات التي تزخر بالمحتويات المتباينة والمتعددة الأغراض، يمكن أن تقدم لنا موضوعات راقية وفي غاية الإثارة للنظر، تلك التي تبدو شيقة ولافتة على السطح.. ومع ذلك، يجب أن نكون واعين بأن عمق هذه المحتويات قد يكون له تأثير بالغ ومباشر على حيواتنا وآفاق مستقبلنا، وأن بعضها قد يخفي خلف سحره الظاهر مخاطر قد تعوق طموحاتنا وتؤثر سلباً على مسارنا الشخصي والمهني. لذا، الحكمة تقتضي تحلّينا بالتمييز والتفكير النقدي تجاه كل ما يُعرض، لنتجنب الوقوع في مصائد تلك المحتويات التي تبدو مغرية كالعسل لكنها في جوهرها قد تكون شراكاً محكمة.

 

 

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نشرة الخميس/ نشرة أُسبوعيةٌ ثقافيةٌ (مجانية) تصدر عن العتبة العباسية المقدسة/ العدد 986.
الشيخ حسين التميمي

تحدث معنا
يمكنكم التواصل معنا من خلال التحدث بشكل مباشر من خلال الماسنجر الفوري تحدث معنا