((اِقامَةً لِدينِكَ
وَحُجَّةً عَلى عِبادِكَ وَلِئَلّا يَزُولَ الْحَقُّ عَنْ مَقَرِّهِ
وَيَغْلِبَ الْباطِلُ عَلى اَهْلِهِ))..
في هذه الفقرة من الدعاء مفصل مهم
من مفاصل الدين والشريعة، بل عن قضية أساسيّة في الوجود الإنساني
على هذه الأرض، وهو إقامة الدين والذي يعني إعلاء شأنه وإبراز
مبادئه؛ فهو حبل الله المتين، وفرق كبير في إقامته بين التطبيق
والحديث فيه فقط، مثال بسيط يوضح ذلك الطبيب الذي درس الطب لسنواتٍ،
وحصل على شهادة تفوق فيه، لا نستطيع أن نقول فيه إنه يزاول مهنة
الطب إلا إذا مارس وعالج الناس، أما إذا جلس في بيته واستذكره في
نفسه والناس يصرخون من الألم حوله وعلى بابه ولا يسعفهم؛ فهذه
مأساةٌ سببها أنه لم يقيم الطب الذي يأتي من الممارسة فالدين كذلك
يتحقق بالإقامة.
لذلك فإن بقاء الحق واستمراريته ودوامه في أنْ يكون السائرون على درب الحق ملتفتين إلى ذلك وإلى أنّ هناك أعلامًا للهداية يستنار بهم في سلك طريق الحق، وفي مقابل ذلك وعلى نهج السنن الكونية الإلهيّة شق الطريق الآخر وهو طريق الباطل وكذلك له أعلام ضلال تزول بالناس عن طريق الحق فتسلك بهم دروب الباطل والضلال والانحراف.. والذي يؤمّن للإنسان حالة الاستقرار وعدم زواله إلى السير في طريق الباطل هو ذلك المؤمل الذي يتحدّث عنه هذا المقطع وهو الإمام المأمول الذي يقوم بوظيفة بيان الحق أوّلا وبيان طريق الباطل ثانيًا ويضع لطريق الحق موازين إذا تمسك بها سائرو درب الحق لن يزلوا عنه بينما إذا تخلّوا عن ذلك ولم يتمسّكوا بها فإنّهم سينحرفون عن هذا المسار ويتجهون إلى طريق الضلال وينتهي بهم الحال الى السقوط في ظلمات الانحراف وتيه العقيدة.
وقد أولت الشريعة المقدسة أهميّة بالغة بإقامة الدين وجعل الحجّة، ولا نبالغ إذا قلنا بتواتر روايات إقامة الحجة في الأخبار والزيارات وغيرها من الموروثات الإسلامية وقد أُفردت لهذا الموضوع تصنيفات كثيرة وتم تناوله من جهات متعددة، ومن أبرز ما ورد في الروايات أنّ الوجود قائم على وجود الحجة ولولا الحجّة ووجوده لساخت الأرض بأهلها ولما كان للدين بل وللدنيا استقامة وقيام وسير، فالأئمة كلهم قائمون بأمر الله وأنّ الأرض لا تخلو من حجة ولو لم يبقَ في الأرض إلاّ رجلان لكان أحدهما الحجّة (عجل الله تعالى فرجه) فهو خاتم أئمة الهدى وهم أركان الأرض والشهداء على الخلق وأنّهم الهداة وولاة الأمر وخلفاء الله سلام الله تعالى عليهم أجمعين.
عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: ((والله ما ترك الله أرضاً منذ قبض آدم عليه السلام إلاّ وفيها إمام يهتدى به إلى الله وهو حجّته على عباده ولا تبقى أرض بغير إمام حجة لله على عباده)).. وعنه عليه السلام أيضًا أنّه قال: (الحجّة قبل الخلق ومع الخلق وبعد الخلق).
أما بالنسبة للعمل بالدين وهو الطريقة الأولى لحفظه وإقراره في الواقع- فإنه من المعلوم أن الله ما شرعه إلا ليعمل به، لا لتحفظ ألفاظه فحسب، لا ليحفظ الكتاب رسماً فحسب، ولا لتحفظ السنة حروفاً وكلمات فحسب، وإنما شرع الله الدين لإقامته، والعمل به، ولو حفظت نصوصه، وضيعت معانيها، ولم يلتزم بها، فلا نحسب أنا قد قمنا بشيء منه ولذلك كان حفظ الدين فرضًا علينا.
لو رأيت أحدًا ما ساد الباطل في وجهه ولم يكن معه من يسانده وفي الوقت نفسه كان مقصرًا بعباداته فهو بذلك بعيد عن أجواء الإمام عجل الله فرجه انطلاقًا من المقطع ((اِقامَةً لِدينِكَ وَحُجَّةً عَلى عِبادِكَ وَلِئَلّا يَزُولَ الْحَقُّ عَنْ مَقَرِّهِ وَيَغْلِبَ الْباطِلُ عَلى اَهْلِهِ)).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر:
إذاعة الكفيل - برنامج ندبة المجد الأثيل - الحلقة
الرابعة -
الدورة البرامجية 79.
في رحاب السَّيِّدة المعصومة (عليها السلام)