طرائف اللغة العربية
2024/05/14
328

بينما يقترب عدد المتحدثين باللغة العربية إلى (500) مليون متحدث تقريبًا، وكلما زاد عدد المتحدثين باللغة العربية وزاد انتشارها في بقاع الأرض المختلفة، زاد فيها الخطأ، ربما إحدى المستمعات الكريمات تسأل: وما داعي هذا الكلام الآن!؟

الداعي أن الكلمات التي ننطقها اليوم في لهجتنا المحلية (العامية) ما هي إلا مشتقات من كلمات عربية أصيلة، وبعضها كلمات من أصول فارسية أو تركية. وبالعودة إلى الطرائف فإنني أبحث معك عن معنى كلمة الطرائف ابتداءً قبل أن نقتبس بعض الطرائف ونحللها، لتبدأ بفهم الطرائف ومعرفة الفوائد التي تعود عليك من معرفتها أولًا. 

نجد في معجم اللغة العربية المعاصر طَرُفَ الحديث أي صار مستحسنًا مقبولًا. ومنها طرف أسلوب الراوي والقصة الطريفة هي المثيرة للانتباه والجديدة، وفي المعجم الرائد الحديث الطريف هو الحديث الغريب المستحسن، إذن تستنتج من كل تلك التعاريف أن الطرفة ليست دائمًا دعابة أو -نكتة- كما يقول البعض، بل هي أكثر قيمة وإفادة ولها أبعاد كثيرة، فالحديث الطريف ليس بالضرورة أن يكون ظريفًا.

وعن فوائد معرفة طرائف اللغة العربية، يحكى أن معلم للغة العربية سأل زوجته فقال: يا أم طارق ماذا تعرفين عن النحو والصرف؟
فأجابت: أعرف عن الصرف والنحو: أن تصرِف راتبك على النحو الذي أرتضيه في شؤون البيت.
فسكت المعلم ولم ينطِق بكلمة واحدة.
وفي قصة أخرى من طرائف اللغة العربية ذات الحبكة هي أنه كان أحد الأمراء يصلي خلف إمام يطيل في القراءة، فطلب من الأمير أمام الناس، وقال له:

لا تقرأ في الركعة الواحدة إلا بآية واحدة، فصلّى بهم المغرب، وبعد أن قرأ الفاتحة قرأ قوله تعالى (وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا) وبعد أن قرأ الفاتحة في الركعة الثانية قرأ قوله تعالى (ربنا ءاتهم ضعفين من العذاب والعنهم لعناً كبيرا)..
فقال له الأمير: يا هذا، طوّل ما شئت واقرأ ما شئت، لكن غير هاتين الآيتين.

والمغزى من القصة أن تدبّر القرآن يلزمك تعلم العربية جيدًا، ومنها استعمال الإمام فهمه لآيات القرآن ليوعظ بها الحاكم دون عدم الطاعة.

إن طرائف اللغة العربية كثيرة والحديث فيها شيق وممتع ولا يسعنا الوقت لذكر الكثير من التجارب، ولكن اخترنا قصيدة صوت صفير البلبل التي لا تخلو من الدرس والحبكة فضلًا عن الطرفة، وقصتها يُحكى أنَّ الخليفةَ العباسي أبا جعفر المنصور كانَ يدفع مبلغًا من المال لكل قصيدة لم يسمعها من قبل، ويكون مقابل ما كتبت عليه ذهبًا، فكانَ يدَّعي بأنَّه يعرف كل قصيدة يقولها الشعراء فأصيب الشعراء بالخيبة والإحباط، فهو يحفظ كل قصيدة ينشدونها ويدَّعي أنه سمعها من قبل، فبعد أن ينتهي الشاعر من قول القصيدة يقوم الخليفة بسرد القصيدة إليه ويقول له لا بل حتى الخادم عندي يحفظها فيأتي الخادم، فيسرد القصيدة مرة أخرى ويقول ليس الأمر كذلك فحسب بل إن عندي جارية هي تحفظها أيضًا، فتأتي الخادمة فتسردها، وبهذه الطريقة قطع الأموال والهبات عن الشعراء، فسمع الأصمعي بذلك فقال إنّ بالأمر مكرًا، فأعدَّ قصيدة منوعة وجميلة الكلمات وغريبة المعاني، فلبس لبس الأعراب وتلثم حيث إنّه كان معروفًا لدى الخليفة.

دخل الأصمعي على الخليفة، وقال إن لدي قصيدة أود أن ألقيها عليك ولا اعتقد أنك سمعتها من قبل، فقال له الخليفة هات ما عندك، فقال القصيدة التي مطلعها: 
صَوْتُ صَفيرِ البُلْبُلِ       
هَيَّجَ قَلْبِيَ الثَمِلِ
المَاءُ وَالزَّهْرُ مَعَاً         
مَعَ زَهرِ لَحْظِ المُقَلِ.. إلى آخر القصيدة

حيث كان الخليفة يحفظ من المرة الأولى، والخادم من المرة الثانية والجارية من المرة الثالثة..  
ولأنَّ قصيدة الأصمعي كانت منوعة الكلمات والمعاني فلم يستطع حفظها، فسأل الخادم والجارية، فقالا لم نسمع بها من قبل.
فقال الخليفة للأصمعي احضر ما كتبتها عليه لنزنه ونعطيك وزنه ذهبًا، فأخبره أنَّه ورث من أبيه عمود رخام لا يحمله إلا عشرة من الجند وقد كتبها عليه، فشك الخليفة أنه الأصمعي لأنها لا تخرج إلا منه، وبالفعل كان هو.

إن الدوانيقي سمي بهذا الاسم لأنه بخيل جدًا يحاسب حتى على الدوانيق (وهي عملة صغيرة جدًا)، فأراد بمكره وقابليته على الحفظ أن يمنع الشعراء ولا يعطيهم أي فلس فجاءه الرد من الأصمعي ليكون درسًا له ولغيره لكي لا يبخس الناس حقهم.

 

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر: إذاعة الكفيل - برنامج رصانة وجمال - الحلقة السادسة - الدورة البرامجية 79.

تحدث معنا
يمكنكم التواصل معنا من خلال التحدث بشكل مباشر من خلال الماسنجر الفوري تحدث معنا