إن غيبة الإمام المنتظر (عجل الله تعالى فرجه الشريف) من أسرار الله تعالى التي لم يطلع عليها أحد من الخلق، فقد أثر عن النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) أنه قال: "إنما مثل قائمنا أهل البيت كمثل الساعة لا يجليها لوقتها إلا هو، ثقلت في السماوات، لا يأتيكم إلاّ بغتة".
حقيقة حينما نتكلم عن الفائدة عن
غيبة الإمام الحجة (عجل الله
تعالى فرجه الشريف) لا بد أن
نؤمن ونتيقن بأن الله تعالى قد أخفى ذلك الوجود المقدس عن الأنظار
لحكمة لأن افعال الله عز وجل لا تصدر إلا عن حكمة وعن غاية، تصدر
طبقاً للمصالح الواقعية إذا لابد أن تكون غيبة الإمام لها علة وحكمة
وإن جهلناها نحن القاصرون، كما أن هناك حديث يدل على أن العلة
الأساسية من غيبة الإمام لم تُبين للناس ولا يعلم بها سوى الأئمة
الأطهار (عليهم السلام)، فعن عبد الله بن فضيل الهاشمي: قال الإمام الصادق
(عليه السلام): لا بد من غيبة لصاحب الأمر، بشكل يقع معها الناس في
الشك.
فقلت: لماذا؟
قال: لستُ مأذونًا ببيان السبب.
فقلت: وما الحكمة فيها؟
فقال: نفس الحكمة الموجودة في غيبة الحجج السابقين موجودة في غيبته،
لكن حكمته لا تظهر إلا بعد ظهوره، كما هي حكمة إغراق السفينة وقتل
الغلام وإصلاح الجدار على يد الخضر (عليه السلام) التي لم تتضح
لموسى (عليه السلام) إلا عندما فارق الخضر، يا ابن فضيل إن أمر
الغيبة سر من أسرار الله، وغيب من الغيوب الإلهية، ولأننا نعتقد بأن
الله حكيم فعلينا أن نعترف بأن أفعاله تصدر عن حكمة، وأن كانت خافية
علينا.
ويستفاد من هذا الحديث أن العلة
الأساسية من الغيبة لم تُبين، أو أن الإطلاع عليها لم يكن في صالح
الناس، أو أنهم لم تكن لهم القابلية على فهمها.
ولكن بينت بعض الأحاديث ثلاث حكم
للغيبة:
• الحكمة الأولى الامتحان
والاختبار.. فالإيمان بالغيبة يميز جماعة من ضعيفي
الإيمان، وتتضح قيمة من دخل الإيمان في أعماق قلوبهم بواسطة
انتظارهم الفرج، والصبر على الشدائد، وإيمانهم بالغيب، ويحصلون على
درجات من الثواب، حيث قال الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام): "إذا
فقد الخامس من ولد السابع من الأئمة، فالله في أديانكم، لا يزيلنكم
عنها أحد، يا بني لا بد لصاحب هذا الأمر من غيبة حتى يرجع عن هذا
الأمر من كان يقول به، إنما هي محنة من الله امتحن بها
خلقه".
• الحكمة الثانية خروج
الإمام وليس في عنقه بيعة لأحد.. عن الحسن بن فضال أن علي
بن موسى الرضا (عليه
السلام) قال:
كأني بشيعتي عندما يموت ثالث أولادي "الإمام الحسن العسكري (سلام
الله عليه)" يفتشون كل مكان بحثًا عن إمامهم، ولكن دون جدوى..
فقلت: لماذا يا ابن رسول الله؟
فقال: لأن إمامهم، ولكن دون جدوى.
فقلت: ولماذا يغيب؟
فقال: حتى إذا خرج بسيفه لا تكون في عنقه بيعه لأحد.
• الحكمة الثالثة خوف
الإمام على دينه ونفسه.. عن زرارة عن أبي عبد الله (عليه
السلام) قال: يا زرارة لا بد للقائم من الغيبة.
قلت: ولم؟
فقال: يخاف على نفسه، وأومأ بيده إلى بطنه.
وهنا يأتي هذا التساؤل ربما سائل
يسأل: ما المانع من أن يظهر الإمام (عليه السلام)، ويعرف مكانه
الناس، ويعيش في إحدى بلدان العالم، ويقود المسلمين دينياً، ويستمر
في حياته على هذه الشاكلة، حتى تصبح أوضاع العالم مساعدة لقيامه
للجهاد، فينهض بسيفه فيقضي على الكافرين.
الجواب: إن هذا فرض لا بأس به، ولكن
ينبغي دراسة عواقبه ونتائجه، وشرح هذا الأمر على غرار الأحداث
العادية:
بما أن الرسول الأكرم والأئمة
الأطهار (عليهم السلام) قالوا للناس مرارًا: إن حكومة الظلم والجور
ستسقط على يد المهدي الموعود، ولذا كان الوجود المقدس لإمام العصر
(عليه السلام) محط أنظام فئتين من الناس:
• الأولى: فئة
المظلومين، وهم أكثر الناس، وهم بسبب مظلوميتهم يجتمعون حول إمام
العصر (عليه السلام) ويأملون منه النهوض والدفاع عنهم.
• الثانية: فئة
الظالمين المتسلطين على رقاب الأمة المحرومة، لأجل الوصول إلى
منافعهم الخاصة، وحفظ مناصبهم، وهم لا يتورعون عن ارتكاب أي عمل
أجرامي حفاظا على مقامهم، هذه الفئة ترى أن الوجود المقدس للإمام
(عليه السلام) عائق عن تحقيق مقاصدهم المشئومة ويرون فيه خطراً على
رئاستهم، فلا بد من قيامهم بإزاحته عن طريقهم وتخليص أنفسهم من هذا
الخطر العظيم، فيتحد كل الطغاة من أجل تحقيق هذا الهدف الأساسي
المرتبط بديمومية تسلطهم ليستأصلوا جذور العدل والقسط، ولا يهدئوا
حتى يحققوا هذا الأمر.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر: إذاعة الكفيل - برنامج بانتظار الآتي - الحلقة
الثالثة
- الدورة البرامجية 77.
توافق الأحكام الشرعية مع الفطرة والعقل