آفة المجتمع إطلاق عنان اللسان
2023/10/30
514

من كلام أمير المؤمنين وإمام الغر المحجلين وإمام المتقين أبا الحسن علي أمير المؤمنين (عليه السلام): (اللسان سبع إذا خلي عنه عقر).

اللسان ذلك الجزء الصغير الذي يعد من أعظم النعم التي تتجلى فيها قدرة الله وحكمته وإبداعه فهو خير وسيلة للتعبير بلغات متعددة والتي تزيد عن ألف لغة موجودة وعلى الرغم من تباينها واختلافها وتباعد مستخدميها من قارة الى أخرى فإن جميعها تتوحد بوسيلة واحدة هي اللسان ولقد عبر الله عز وجل عن ذلك بقوله: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ﴾، كما أنه أداة للفكر في جميع أرجاء العالم وهو وصلة التحادث والنقاش في الجامعات والمدارس والمعاهد كما أنه من أهم الأدوات الاجتماعية التي تعبر عن متطلباتنا واحتياجاتنا وبه نفهم أمور ديننا ودنيانا وبه نستطيع التفاهم والتجانس مع الآخرين وغيرها من الفوائد الجمة التي لا حدود لها.

لكن هذا اللسان الذي يعتبر أداة مهمة ومفيدة وضرورية هو كذلك يشكل خطراً على الإنسان إذا جُعل له مطلق العنان في التحدثِ دون مراعاة أو احتراس من توابع الكلام ولم يرعى سياسته مع الأحداث التي يتعاطى معها هنا يصبح سبباً في إلحاق الضرر بصاحبه وحدوث الكوارث والحروب على صعيد الدول ناهيك عن الأشخاص.

إن وصف الإمام (عليه السلام) كان دقيقا للسان عندما مثله بأنه "سبع" فقد أعطاه تشبيها دقيقا ووصفه بمن يماثله في الصفات العدوانية والخصائص الذاتية وهو المفترس الذي تتغلب عليه النفس السبعية التي تحركه وتحثه شديدا نحو الانتقام والافتراس واقتناص الفريسة، واللسان له من هذه الصفات حيث يظل ملحا على صاحبه حتى يخرجه عن شعوره ويتكلم بأفكار وآراء ليس من باب الحكمة التكلم بها والتعبير عنها لأنها تكون في أغلب الأحيان ناتجة عن ردة غضب أو موقف من مواقف الحزن أو نتيجة للاندفاع في مسألة ما دون ترتيب الأوليات..

إن هذا الانفلات اللساني لمن آفات المجتمع ولذا تكثر الخصومات والنزاعات ويسود عدم الود والوئام بين الأفراد جراء عدم التوازن في الكلام والجري وراء العواطف وغليان المشاعر وتأجج الحسابات القديمة بما يترك جرحا في النفس وربما يصعب تجاوزه فينشأ عن ذلك عداوة ربما تستمر للأحفاد..

ومن الأمور التي تؤدي الى تحول اللسان العذب الذي يرطب الأجواء بين الأهل والأقارب وحتى بين أفراد المجتمع ويزيد من مودتهم ومحبتهم هو تعرض الفرد الى انفعالات تأجج لديه نار الغضب الكامنة ويعجز عن التحكم بأقواله ويبدر منه ما يسيء الى الآخرين بالكلام البذيء وإذا ما حاول المرء ردع نفسه وعدم التحكم باتزانه العصبي سيتحول الى إنسان بذيء اللسان ولا يجد حرج من ألفاظه وكلماته النابية وبذلك يكتسب عداوة من يتعامل معهم أو يخلق هو نتيجة افعاله وأقواله حالة من النفاق والازدواجيّة إذ هناك أشخاص يكرهون تصرفاته لكن يتعاطون معه اتقاء لشره ولقد عبر عنهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذ قال مخاطباً أمير المؤمنين: "يا عليّ، شرّ الناس من أكرمه الناس اتّقاء فحشه"..


إن النزاع باللسان من أسلحة الشيطان التي يوغر بها صدور الخلائق فيتفرقون بعد اتحاد ويختلفون بعد اتفاق، ويترتب على هذا أن كثيرًا من الناس يسب إخوانه وخصومه بألفاظ مذمومة مما يوغر الصدور وينمى العداوة والبغضاء أبعدها الله عنا وعنكم وجعلنا الل ممن تطيب ألسنتهم وقلوبهم من الآثام وأن يكون لدينا لسان عذب بذكر الله وتمجيده وتسبيحه فلقد عز من قال: ((ألا بذكر الله تطمئن القلوب)).

 

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر: إذاعة الكفيل - برنامج من رحيق البلاغة- الدورة البرامجية 76 - الحلقة التاسعة.

تحدث معنا
يمكنكم التواصل معنا من خلال التحدث بشكل مباشر من خلال الماسنجر الفوري تحدث معنا