إن أكبر وأصعب امتحان كتبه الله
تعالى على الإنسان في هذه الحياة، هو ابتلاء الإنسان بنفسه، وعلى
أساس نجاح الإنسان وتفوقه في هذا الامتحان، يكون موقعه عند الله،
ومستقبله الدنيوي والأُخروي، ومن هنا كانت المعركة مع النفس أشق
وأخطر معركة يخوضها الإنسان في حياته.
فهي معركة حتمية لا خيار لأحد فيها، ولا يُستثنى أحد منها حتى الأنبياء والأوصياء والأولياء (عليهم السلام)، وإذا كان الإنسان يستطيع اجتناب المعارك والصراعات مع الآخرين بطريقة أو أخرى، فإنه لا فرار له من معركته مع نفسه، وهي معركة دائمية مساحتها طوال عمر الإنسان منذ أن يدركه الوعي وإلى الممات، ويحصل أن يكسب الإنسان المعركة ضد نفسه طيلة حياته، ثم يخسرها في آخر عمره!
كذلك فإنها معركة شاملة تستوعب كل جوانب حياة الإنسان ومختلف شؤونه، وتمتد إلى جميع الزوايا والتفاصيل، فكراً وإحساساً، وعملاً وقولاً، وإشارة وصمتاً، فالأهواء والشهوات النفسية هي أخطر ما يهدد سلامة معتقد الإنسان وأفكاره، وصحة مشاعره وأحاسيسه، وصدق أقواله ومواقفه، واستقامة تعامله وعلاقاته.
والأدهى من كل ذلك، قوة الارتباط
وشدة العلاقة ووثاقتها بين الإنسان ونفسه، فالنفس أقرب شيء للإنسان،
وهي متداخلة معه وملتصقة به، وكم هو صعب أن يتداخل الإنسان مع عدوه،
لكل ذلك تصبح المعركة مع النفس أخطر معركة، ويصدق تماماً ما قاله
رسول الله (صلى الله عليه وآله) من أن جهاد النفس هو الجهاد الأكبر،
وهذا ما تؤكده النصوص التالية:
قال تعالى: ﴿وَأَمَّا مَن خَافَ
مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفسَ عَنِ الهَوَى، فَإنَّ الجَنَّةَ
هِيَ المَأوَى﴾ (النازعات: 41)، فالمنتصر على نفسه في معركته هذه
يستحق الجائزة الكبرى وهي الجنة، والوصول إلى الجنة يستحق من
الإنسان كل ذلك التعب والمشقة والعناء.
وقد ورد عن أمير المؤمنين علي بن
أبي طالب (عليه السلام) أنه قال: «صلاح النفس مجاهدة الهوى».
فعلى الإنسان ألا يُهزَم بسرعة أمام صعوبة المعركة، ولا أن يستجيب لخداع العدو، وبصموده تنهزم أهواء النفس وتنهار ذليلة خانعة، وبوعيه يفوّت الفرصة على الإغراءات، وبذلك ينتصر، ويحد الإنسان من شرور نفسه بمجاهدة نفسه الأمّارة بالسوء.
___________________________________
المصدر: نشرة الخميس (نشرة أسبوعية ثقافية تصدر عن قسم الشؤون
الفكرية والثقافية في العتبة العباسية المقدسة)/ العدد
929.
محمد
عباس الحلي
كيف تحمي أبناءك من مخاطر الإنترنت الخفية؟