اترك مسافة قبل الحسافة
2022/11/13
962

هناك قصة رمزية تقول بأن مجموعة من القنافذ اقتربت من بعضها في إحدى ليالي الشتاء المتجمدة طلباً للدفء، لكنها لاحظت أنها كلما اقتربت من بعضها أكثر، كلما شعرت بوخز الأشواك التي تحيط بأجسادها مما يسبب لها الألم..
وأنها كلما ابتعدت عن بعضها البعض شعرت بالبرودة وبحاجتها للدفء في أحضان أصدقائها!
بقوا على هذه الحال بين ألم الاقتراب، وهجير الانفصال.. إلى أن توصّلوا إلى المسافة المناسبة التي تقيهم من برودة الجو الجليدي وتضمن لهم أقل درجة من ألم وخز الأشواك..

فلكي يبقى الجميل في عينيك جميلاً لا تقترب منه كثيراً.. فالبعض أجمل من بعيد لذلك حافظ على المسافة بينك وبينهم..
لقد علّمتنا الكتابة أن نترك مسافة بين كلمة وأخرى لكي يفهم القُرَاء ما نكتب..
وعلّمتنا حركة المرور أن نترك مسافة أيضاً بيننا وبين السيارة التي أمامنا حتى لا نصطدم بها..
وكذلك علّمتنا حركة الحياة أن نترك مسافة بيننا وبين الآخرين حتى لا نصطدم بهم، أو نتصادم معهم..

لكل إنسان منا عيوبه وأشواكه الخاصة به التي قد لا تظهر لنا ولا نشعر بآلام وخزاتها إلا عندما نكون على مسافة غير مناسبة منها..
البعض يعتقد أنه كلما ازداد قرباً ممن يحبهم فإن هذا سيشعرهم بالسعادة، وهذا ليس صحيحاً على الدوام، فحتى الاهتمام الزائد قد يفقد معناه ويتحول إلى اختناق يشعر معه الآخرون بالضجر والتململ الذي قد يتحول إلى نفور وكراهية..
فلكل إنسان خصوصيته وحدوده التي يحرص على أن يحترمها الآخرون مهما كانت درجة قرابتهم..

لذا إحرص على ضبط مسافاتك مع الآخرين حتى وإن كانوا أبناءك أو أقاربك.. فلن تخسر الناس من حولك إن تركت بينك وبينهم بعض المسافة التي تحترم خصوصيتهم وقدرتهم على التنفس.. بل ربما تكون علاقاتك الإنسانية أجمل وأكثر قدرة على النمو والازدهار إن تركت لها المسافة الكافية للنمو.
وضع بعين الاعتبار بأن إدارة المسافات فن يجب إتقانه.. لا تقترب كثيراً فيملّكَ الناس، ولا تبتعد عنهم كثيراً فينْسَوْكَ وتبرد عواطفهم تجاهك.
وتذكر دوماً أن ضبط المسافات من أكبر سنن هذا الكون ودلائل عظمته.. وأن سير الكواكب الدقيق مرتبط باحترام المسافات.. فلو اقتربت الشمس من الأرض ميلاً واحداً فقط لاحترقت، ولو ابتعدت ميلاً لتجمد كــــــل ما فيها.

 

 

___________________________________
المصدر: نشرة الخميس/ نشرة أسبوعية ثقافية تصدر عن قسم الشؤون الفكرية والثقافية في العتبة العباسية المقدسة- العدد 862.
علي عبد الجواد

تحدث معنا
يمكنكم التواصل معنا من خلال التحدث بشكل مباشر من خلال الماسنجر الفوري تحدث معنا