نصائح المرجع الديني الأعلى السيد علي السيستاني (دام ظله) للشباب/2

2025/02/19

38
نصائح المرجع الديني الأعلى السيد علي
السيستاني (دام ظله) للشباب/2
السعي في إتقان مهنة وكسب
تخصّص
أمّا بعد فإنّني أوصي الشباب الأعزاء
-الذين يعنيني من أمرهم ما يعنيني من أمر نفسي وأهلي- بثماني وصايا هي
تمام السعادة في هذه الحياة وما بعدها، وهي خلاصة رسائل الله سبحانه
إلى خلقه وعظة الحكماء والصالحين من عباده، وما أفضَت إليه تجاربي
وانتهى إليه علمي:
* السعي في إتقان مهنة وكسب تخصّص،
وإجهاد النفس فيه، والكدح لأجله:
فإنّ فيه بركات كثيرة يشغل به قسماً
من وقته، وينفق به على نفسه وعائلته، وينفع به مجتمعه، ويستعين به على
فعل الخيرات، ويكتسب به التجارب التي تصقل عقله وتزيد خبرته، ويطيب به
ماله؛ فإنّ المال كلّما كان التعب في تحصيله أكثر كان أكثر طيباً
وبركة، كما أنّ الله سبحانه وتعالى يحبُّ الإنسان الكادح الذي يُجهد
نفسه بالكسب والعمل، ويبغض العاطل والمهمل ممّن يكون كَلاً على غيره،
أو يقضي أوقاته باللهو واللعب، فلا ينقضينَّ شباب أحدكم من دون إتقان
مهنة أو تخصّصٍ، فإنّ الله سبحانه جعل في الشباب طاقاتٍ نفسيّةً
وجسديّةً ليكوّن المرء من خلالها رأس مالٍ لحياته، فلا يضيعنّ
بالتلهّي والإهمال.
وليهتم كلّ واحدٍ بمهنته وتخصّصه حتى
يتقنها، فلا يقولنّ بغير علم ولا يعملنّ على غير خبرة، بل يعتذر فيما
لا يستطيعه أو يعلمه أو فليرجع إلى غيره ممن هو أخبر منه، فإنّه أزكى
له وأجلب للوثوق به، وليعمل عمله ووظيفته بنَفَسٍ واهتمام، وتذوُّقٍ
وإقبال، فلا يكون همُّه مجرّد جمع المال ولو من غير حلِّه، فإنّه لا
بركة في المال الحرام، ومن جمع مالاً من غير حلّه لم يأمن من أن يفتح
الله عليه من البلاء ما يضطرُّ إلى إنفاقه فيه مع مزيد عناءٍ وابتلاء،
فلا غنى به للمرء في الدنيا، وهو وبال عليه في الآخرة.
وليجعل نفسه ميزاناً بينه وبين غيره،
فيكون عمله لغيره على نحو ما يعمله لنفسه، ويحبّ أن يعمله له الآخرون،
وليحسن كما يحب أن يُحسن الله سبحانه إليه، وليراع أخلاقيات المهنة
ولياقاتها، فلا يتشبث بالطرق الوضيعة التي يستحي من أن يعلنها، وليعلم
أن العامل والمتخصّص مؤتمن على عمله من قِبَل من يعمل له ويرجع إليه،
فليكن ناصحاً له، وليحذرنّ خيانته من حيث لا يعلم، فإنّ الله تعالى
رقيب عليه وناظر إلى عمله، ومستوفٍ منه إنْ عاجلاً أو آجلاً! وأنّ
الخيانة والغدر لهما أقبح الأعمال عند الله سبحانه وأخطرها من حيث
العواقب والآثار.
وليهتمّ الأطباء بين أهل المهن بمزيد
اهتمام بهذه النصائح؛ لأنهم يتعاملون مع نفوس الناس وأبدانهم، فليحذرن
كل الحذر من تخطّى ما تقدّم فإنّه يؤول إلى سوء العاقبة وإنّ غداً
لناظره قريب.
وقد قال سبحانه عزّ مِن قائل: ﴿وَيْلٌ
لِلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ
يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ *
أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ﴾، وعن النبيّ (صلى
الله عليه وآله): «إنّ الله تعالى يحبُّ إذا عمل أحدكم عملاً أن
يتقنه».
وليهتم طلَّاب العلم الجامعي
والأساتذة فيه بالإحاطة بما يتعلّق بمجال تخصّصهم مما انبثق في سائر
المراكز العلمية وخاصّةٍ علم الطب حتّى يكون علمهم ومعالجتهم لما
يباشرونه في المستوى المعاصر في مجاله، بل عليهم أن يهتمُّوا بتطوير
العلوم عبر المقالات العلمية النافعة والاكتشافات الرائدة، ولينافسوا
المراكز العلمية الأخرى بالإمكانات المتاحة، وليأنفوا من أن يكونوا
مجرّد تلامذة لغيرهم في تعلُّمها ومستهلكين للآلات والأدوات التي
يصنعونها، بل يساهموا مساهمةً فعّالةً في صناعة العلم وتوليده
وإنتاجه، كما كان آباؤهم روّاداً فيها وقادةً لها في أزمنة سابقة،
وليست أمة أولى من أمة بذلك، وعليكم رعاية القابليّات المتميِّزة بين
الناشئين والشباب ممّن يمتاز بالنبوغ ويبدو عليه التفوُّق والذكاء
حتّى إذا كان من الطبقات الضعيفة، وأعينوهم مثل إعانتكم لأبنائكم حتّى
يبلغوا المبالغ العالية في العلم النافع، فيكتب لكم مثل نتاج عملهم
وينتفع به مجتمعكم وخلفكم.
✍️ (موقع مكتب المرجع الديني الأعلى
سماحة السيد علي الحسيني السيستاني دام ظله)
__________________________________________
نشرة الخميس/نشرة أُسبوعيةٌ ثقافيةٌ
(مجانية)، تتناولُ المعارفَ القُرآنيةَ، والعقائديةَ، والفِقهيةَ،
والتاريخيةَ، والأخلاقيةَ، والتربويةَ، والاجتماعيةَ، والصحيةَ
بأُسلوبٍ مبسّطٍ ومختصرٍ، تصدر عن العتبة العباسية المقدسة/ العدد
1023.