الاختلاط والتواصل بين
الجنسين
وأهمية رعاية الحدود في
ذلك
إنَّ من أهمِّ المسائل في الحياة
الاجتماعية للإنسان هي رعاية الرجل والمرأة للحدود في مقام التعامل
فيما بينهما سواء كان هذا التعامل عن طريق اللقاء -المعبَّر عنه
بالاختلاط- أم عن طريق أدوات التواصل.
وهذه الأهمية تقتضي تبصُّر الإنسان
فيها تبصُّراً كافياً واتخاذه السلوك الملائم، حتى لا يقع من حيث لا
يحتسب في المسارات الخاطئة والنهايات غير الحميدة.
وقد كان للإنسان منذ فجر التاريخ
-بوحي من فطرته وتجاربه في الحياة- اهتمامٌ برعاية ذلك، وقد أسس له
في كلِّ مجتمع أعراف تصون المجتمع والأسرة عن الوقوع في المحاذير
الناتجة عن الوجوه الخاطئة من الاختلاط التي تؤدي إلى الانزلاق في
أمور ذميمة وضارة.
* الحاجة المؤكدة في هذا العصر إلى
الاهتمام بالموضوع
وتتأكد الحاجة في هذا العصر إلى
مزيد من الاهتمام فيه -من جهة كثرة سبل الإثارة وتيسُّر أسباب
الانحراف- لأسباب ثلاثة:
الأوَّل: إتاحة العالم الافتراضي
اطِّلاع الإنسان على المشاهد غير اللَّائقة التي قلَّما كان الإنسان
من قبل يشهدها في العالم الحي، فتؤدي هذه المشاهد إلى إثارة كبيرة
للإنسان وتوجب وسوسته في تقليدها واحتذائها، وتشوب نقاءه الفطري
وصفاءه النفسي بشوائب خطيرة ومؤذية لا يمكن إزالتها وإزالة آثارها
عن النفس بسهولة بل مطلقاً في العديد من الحالات، ولا سيَّما إذا
اطَّلع عليها في مرحلة الطفولة أو المراهقة.
الثاني: تيسُّر وسائل التواصل
الاجتماعي التي تسهِّل التواصل الخاطئ بين الرجل والمرأة بعيداً عن
أجواء الأسرة والمجتمع العام التي كانت من قبل عيناً عاصمة للإنسان
عن الانزلاق إلى الخطأ والخطيئة.
الثالث: حدوث مراكز يقع فيها
الاختلاط بين الرجال والنساء على وجه منظَّم، بمعنى أنَّ الرجل
المعيَّن والمرأة المعيَّنة يلتقيان ولو في ضمن اجتماع أوسع بشكل
متكرر ومنظم وفي مكان خاص وليس عام على حد السوق والشارع، كما في
الدوائر والمحلات والمستشفيات والمدارس المختلطة والجامعات
ونحوها.
والاختلاط على هذا الوجه يتيح تكرر
النظر والملاحظة والتعامل والتواصل والعرض والإراءة، وذلك كلُّه
يؤدي إلى تركيز النظر والتهيُّؤ السابق للإغراء والعرض والمواعدة
وإيجاد ذرائع التواصل ونحو ذلك ممَّا يؤدي إلى إشغال فكر أحد
الجنسين بالآخر، واقتداء بعض بالآخر من جهة تقارب العمر والاشتراك
في سلك واحد ومحدودية البيئة، في حين كان الاختلاط من قبل يقع نوعاً
في الأماكن العامة مثل السوق والشارع ونحوهما ممَّا يحدث اتفاقاً
ولا يكوِّن جواً مهيأً للعرض والإغراء والتواصلات
الخاصة.
وقد لوحظ أنَّ كثيراً من الفتيان
والفتيات قبل الاختلاط في دراسة الجامعة يتَّصِفون بالنقاء والوقار
والاحتشام في القول والمظهر والملبس والسلوك، ولكن كثيراً منهم بعد
مدة من الاختلاط يفقد هذه الصفات إلى حدٍّ كبير، ويتجه إلى التواصل
والعرض والإغراء والاستدراج والاستمالة، ويتنافسون فيما بينهم على
الظهور بالمظهر الأكثر جاذبية وإغراءً حتى ربَّما نشأت أعراف تعتبر
الاحتشام تخلُّفاً، والوقار انقباضاً، والحذر وسوسةً وفقداناً للثقة
بالنفس، وتجنب المفاكهة مع الجنس الآخر كآبةً وعزلة عن
الآخرين.
ولذلك كانت هناك حاجة ملحَّة في هذا
العصر إلى معالجة هذا الجانب عن طريق تقوية النوازع الفطرية إلى
العفاف ورعاية الحدود الدينية والشرعية والتمسك بالأعراف الراشدة
والحميدة السائغة بالأسلوب الملائم.
كما أنَّ هناك حاجة إلى استحداث
أعراف أخرى اجتماعية وأسرية ملائمة للتعامل مع الأدوات الحديثة تحدد
الانتفاع بها بحدود ملائمة تقي نوعاً من المحاذير والمفاسد
المتوقعة، وهي أعراف يسعى إلى البناء عليها في الأُسر والعوائل
المحافظة والملتزمة.
ووجه الحاجة إلى إيجاد أعراف
محدَّدة لما يليق وما لا يليق في هذا الشأن أنَّ الأعراف أدوات
مؤثرة في حماية القيم والمصالح النوعية من جهة أنَّها تكوِّن بيئة
اجتماعية موافقة لها، وهذا يسهِّل على الإنسان عملية
التربية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الإمعة: حين يغيب الرأي وتتلاشى المسؤولية