في هذا الزمن أضحت عدم الثقة بالنفس
سمة بارزة من سمات الكثير من أبناء هذه الأمة!
ففي كل زاوية ومجال ترى انعدام ثقتنا بقدراتنا وطاقاتنا وما يمكن
لنا أن نصنع وما نمتلكه من تأثير كأشخاص أو كمجموعات أو كأمة..
هذه الصفة تشلّنا وتجعلنا غير قادرين على حل مشاكلنا الكثيرة
والكبيرة والخروج من حالة التخلّف كأمة والمضي قدماً في حياتنا
الشخصية..
قد تكون بعض الظروف السلبية التي مرت بها الأمة ولا تزال قد أسهمت
بعض الشيء في تكوّن هذا الشعور بعدم الثقة، ولكن هذا لا يبرر انغماس
الأمة وأبنائها في حالة اليأس والإحباط هذه؛ لأن هذه الحالة لا تنتج
إلا المزيد من إهدار الطاقات وتضييع الفرص والتأخر في كافة
المجالات.
في وسط هذه الأجواء المعتمة، تأتي أيام عاشوراء بشعاعها وضيائها فتبعث الأمل والثقة في نفوس المتعرّضين لأنوارها والمتفكرين في دروسها وعظاتها، فكربلاء تحطم جميع القيود وتنسف كل الحواجز وتزيل أسباب الاستهانة بقيمة أي فرد أو مجموعة وما يمكن لهما أن يصنعا، كربلاء تطلق للإنسان العنان ليحلّق في آفاق إصلاح النفس، والإصلاح الاجتماعي والثقافي والسياسي والاقتصادي، وكل ما من شأنه التطوير في الحياة الدنيا والرقي في درجات الآخرة، وتزوده بطاقة مذهلة وثقة فريدة وإصرار عجيب على التغلب على كل العقبات والعراقيل مهما كبر حجمها وعلا شأنها.
فدعونا هنا نتوقف في لفتات سريعة لبعض مشاهد النهضة الحسينية المباركة وكيف تعامل أبطالها مع بعض ما نعتبرها أسبابا لضعف الثقة بالنفس وفقدان الأمل في القدرة على التغيير والإنجاز، لعلّها تعطينا بعض الاندفاع لتغيير واقعنا:
العجز وانسداد الأفق: رغم غياب
المؤشرات التي قد تبعث على التفاؤل، ورغم جريان الأحداث في صحراء
معزولة تماما عن العالم ليس بسبب كونها صحراء نائية فقط بل وبسبب
الحصار القاسي الذي فرضته جيوش السلطة أيضا، إلا أن من كانوا في
معسكر الحسين من شباب وشيوخ ونساء وأطفال لم يصبهم اليأس من نجاح
هذه النهضة التي صمدت أمام هذا التعتيم الشديد والآلاف المؤلفة من
الجنود المدججين بالسلاح.
وبالفعل، لقد غيرت نهضتهم مجرى
التاريخ الإسلامي برمته فيما بعد.
كذلك يجب أن نكون نحن، فمهما
تصوّرنا أننا عاجزون أو أن جميع الأبواب قد تغلّقت في وجوهنا، فإننا
قادرون على إحداث تغيير مَّا، إذا تحركنا على الأرض وامتلكنا الثقة
فيما يمكن لنا إنجازه.
___________________________________
المصدر: نشرة الخميس (نشرة أسبوعية ثقافية تصدر عن قسم الشؤون
الفكرية والثقافية في العتبة العباسية المقدسة)/ العدد 648.
علي خلف
المشورة نافذة البصيرة وقوة الفكر
اقلام على خطى الزهراء (عليها السلام)