أدب الطفل بين التراث والتجديد​
2024-07-25 06:07:52
244

أدب الطفل بين التراث والتجديد​
حوراء ناصر العذاري
كانت لفظة الأدب تعني قديماً: تعويد النفس على ما يتحسن من العادات وأنماط السلوك، وفي العصر الأموي أصبحت تعني التثقيف، فسُمي معلم أبناء الخلفاء والأمراء والأشراف ومربيهم بالمؤدب. هناك كثير من المفاهيم والتعريفات لأدب الأطفال، فهو خبرة لغوية في شكل فني، يبدعها الفنان خاصة للأطفال فيما بين الثانية والثانية عشرة أو أكثر قليلاً، يعيشونه ويتفاعلون معه فيسقيهم المتعة والتسلية ويدخل على قلوبهم البهجة والفرح، وينمي فيهم الإحساس بالجمال وتذوقه، ويقوي تقديرهم للخير ومحبته، ويطلق العنان لخيالهم وطاقاتهم الإبداعية، وينمي فيهم القدرات. أو هو النتاج الأدبي الذي يتلاءم مع الأطفال بمستوياتهم وأعمارهم وقدرتهم على الفهم والاستيعاب في ضوء طبيعة العصر وما يتلاءم مع المجتمع الذي يعيشون فيه، ولا يمكن أن نبحث عن أدب الطفل بالصورة التي يعرضها هذا العصر، فكل عصر له سماته وله طبيعة وله ذوقه وأسلوبه.

فإذا كان الأدب عامة يُعد نافذة الروح على كل العوالم، فإن لأدب الأطفال أهمية خاصة في ترسيخ القيم والمعارف وإطلاق الخيال وصقل شخصية الطفل للدور التثقيفي والتربوي الذي يقوم به. وبما أن الطفل يتمثل أدب الطفل بالقصة على أنها حقائق، فهو يذعن لها ويتماشى مع أبطالها، ولو تعرض لتجربة متماثلة تشبه تلك التي يقرأ عنها، فإنه سيتصرف كما البطل في القصة.

وأدب الأطفال كان في التاريخ يعني ما يرويه الأب لأطفاله من قصص من مغامراته والصعوبات التي كان يواجهها من برد وحر وغيرها، ومواجهة الحيوانات المفترسة، ثم تطور هذا الأدب ليتحدث الأب فيما بعد عن المزروعات. وبعد تشكل القبائل ظهر لون جديد من أدب الطفل، وهو قصص عن الشجاعة والحروب والفروسية. ونتيجة لطبيعة الحياة القاسية في العصر الجاهلي ظهرت القصص والأساطير والخرافات. وعندما جاء الإسلام بدأ أدب الأطفال ينحو منحى جديداً، إذ ركز على قصص الأنبياء التي أوردها القرآن الكريم وما يتطلبه الدين الجديد. وقد اتسعت دائرة الأدب وتنوعت الظاهرة الأدبية بفضل التطور والصيرورة والتحول والرؤية الإبداعية، إذ تنوعت أهدافه وكثرت مشاربه، وتعددت أطره، وظهر فيها ما ينتمي إلى صنف الأطفال. وقد حاول النقاد تمحيص أدب جديد وهو أدب الأطفال، وقد عرفه الفيروز آبادي بأنه: "الأدب محركة الظروف وحسن التبادل أدب كحسن أدب فهو أديب".

يتمتع مصطلح أدب الأطفال - خارج الدوائر الأكاديمية - بمعنى شائع وبسيط إلى حد كبير، فمن الصحف ووسائل الإعلام الأخرى إلى المدارس والوثائق الحكومية، من المفهوم أن المصطلح يشير إلى المواد التي تُكتب لكي يقرأها الأطفال والشباب، وينشرها ناشرو كتب الأطفال، وتُعرض وتُخزن في الأقسام الخاصة بكتب الطفل أو اليافعين بالمكتبات العامة ومتاجر بيع الكتب. وأن هذا المصطلح بالنسبة لمن يبحثون في أدب الأطفال ويدرسونه مملوء بالتعقيدات. ففي واحدة من أكثر الدراسات المثيرة، جاكلين روز، كانت تشير إلى طبيعة العلاقة بين الكبار والأطفال في قصص الأطفال وتناول مخاوفهم إلى جانب القضايا الأخرى.

وقد نما أدب الطفل العربي نمواً واضحاً بين السبعينات والتسعينات، وأصبح الباحث قادراً على أن يعثر في كل دولة عربية على رصيد مقبول من النصوص الأدبية ذات المستوى الفني الجيد. وهذا الأمر يدعو إلى التفاؤل بمستقبل الطفل في الوطن العربي، ويعزز هذا التفاؤل شيء آخر، وهو حرص النصوص الأدبية على القيم الإيجابية، حتى أنه يصعب العثور على نص عربي للأطفال ليس فيه قيمة وطنية أو قومية أو اجتماعية أو أخلاقية إيجابية.

يظن بعضهم أنه إذا أضفنا كلمة الإسلامي إلى الأدب، فإننا نقيده ونشل من حركته الإبداعية والجمالية، ويؤدي إلى تكبيل الجانب الوجداني، ويحوله إلى أوامر ونواهٍ ومواعظ، لكن الأمر على العكس من ذلك، لأن الذين يكتبون في أدب الطفل الإسلامي سوف يلتزمون بكتابة القواعد الأدبية من الجوانب الفنية. ويجمع معظم الدارسين على أن أدب الأطفال القائم اليوم في ضوء الأطر الفنية والشكلية ومراعاة الحالة الاجتماعية والنفسية وغيرها، هو أدب مستحدث وفرع جديد من فروع الأدب الفنية، يمتلك خصائص تميزه عن أدب الكبار على الرغم من أن كليهما يمثل آثاراً فنية يتحد فيها الشكل والمضمون. وإذا أريد بأدب الأطفال كل ما يقال لهم بهدف توجيههم، فإنه قديم قِدمَ التاريخ البشري إذ وجدت الطفولة.

وأدب الأطفال هو أدب واسع المجال، متعدد الجوانب، متغير الأبعاد لاعتبارات كثيرة قبل نوع الأدب نفسه، والسن الموجه إليها هذا الأدب وغير ذلك من الاعتبارات. فأدب الطفل لا يعني مجرد القصة أو الحكاية النثرية أو الشعرية، وقد يشمل المعارف الإنسانية كلها. فعلى مبدعي أدب الأطفال أن يستفيدوا أو يستنيروا من جميع العلماء، ليكتشفوا كل ما يحيط بالطفل ويؤثر عليه.​

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مركز الثقافه الأسرية /تابع للعتبه العباسية المقدسة /يعنى بتحقيق الاستقرار النفسي للأسرة العراقية .

تحدث معنا
يمكنكم التواصل معنا من خلال التحدث بشكل مباشر من خلال الماسنجر الفوري تحدث معنا