غرامة الطفل!
2024-06-27 06:27:40
353


إن التأديب والتربية من الأمور الأساسية التي تعكس فلسفة الحياة ومنهجها في الإسلام، ومن تعاليم أهل البيت (عليهم السلام)، وفي هذا الإطار يأتي حديث الإمام الكاظم (عليه السلام) الذي يقول: «يستحب غرامة في صغره ليكون حليماً في كبره» (وسائل الشيعة: 15/198).. هذا الحديث يفتح باباً واسعاً نحو فهم الأساليب التربوية وكيفية تعزيز السلوك الحميد في المجتمع الإسلامي.

غرامة الطفل في صغره لا تعني فقط التأديب بالعقوبة، بل تشمل توجيه السلوك من خلال تبيان العواقب المنطقية للأفعال، وبهذا المعنى يكون التأديب وسيلة للتعلّم وتعزيز الوعي، وليس مجرد تنفيذ عقوبة، إن الهدف من هذا التوجيه المبكر هو زرع بذور الحلم والتحلّي بالصبر والتعقل في نفس الطفل؛ حتى يصبح في المستقبل شخصاً راشداً قادراً على التعامل مع تقلّبات الحياة بمرونة وحكمة.

فعندما يُعوّد الطفل على مواجهة تبعات تصرفاته، ينمو لديه حِسّ المسؤولية ويتقبل النتائج المترتبة على أفعاله، ما يؤدي به إلى التفكير بعواقب الأمور قبل الإقدام عليها، وهذه العملية هي تربية على التحلّي بالعقلانية والتدبر، وليست تربية قائمة على القسوة أو العقاب الجسدي الخالي من الحكمة.

لكن لا بد من القول إن هذا الحديث يحمل في طياته ميزاناً دقيقاً بين الصرامة واللّين، فلا تكون الغرامة بصورة مفرطة تولّد العناد أو تؤذي نفسية الطفل، وإنما بقدر محسوب يعود على الطفل بالتهذيب دون إيذائه.

وبهذا، يُفهم من الحديث أن حكمة التربية ليست فقط في عملية التأديب نفسها بل في غايتها ومآلها، وهو الإعداد لمرحلة الكبر التي تتطلب أعلى درجات الصبر والحلم.. وهكذا، يرسم الإمام الكاظم (عليه السلام) من خلال هذا القول حدوداً واضحةً تربويةً، تسهم في بناء شخصية الطفل وتحصينها بالقيم الأخلاقية الرفيعة التي تمكّنه من التأقلم مع التحديات وأعباء الحياة مع الحفاظ على اتزانه وعقلانيته.

 

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نشرة الخميس/ نشرة أُسبوعيةٌ ثقافيةٌ (مجانية) تصدر عن العتبة العباسية المقدسة/ العدد 989.
الشيخ حسن التميمي



تحدث معنا
يمكنكم التواصل معنا من خلال التحدث بشكل مباشر من خلال الماسنجر الفوري تحدث معنا