عطاء الإمام الحسن(عليه السلام) ورعايته الفقراء
2021/12/30
1027

إن من المعالم البارزة في سيرة الإمام الحسن "ع" ، والصفات المميزة لشخصيته العظيمة، اهتمامه برعاية الفقراء، وجوده وسخاؤه، على المحتاجين والمعوزين، حتى اشتهر بصفة (كريم أهل البيت) وكلهم كرماء أسخياء، لكن الظروف الاجتماعية ساعدت على بروز هذه الصفة الجليلة في شخصيته أكثر.

فصحيح أنه لا يكاد يخلو مجتمع من وجود الفقر والفقراء، الذين لا يستطيعون تأمين احتياجاتهم بجهودهم الذاتية، إما لعجز لديهم يمنعهم من العمل والكسب، أو لأن ظروفاً اجتماعية تحرمهم فرص الحركة والإنتاج، أو تعوق نشاطهم الطبيعي.

لكن بعض الظروف الاجتماعية غير العادلة، قد تزيد من رقعة الفقر، وتضاعف عدد الفقراء، وهـذا ما حصـل في عهـد الإمام الحسـن "ع" فالسياسة الاقتصادية التي اعتمدها الأمويون، كانت على حساب مصالح الناس وأرزاقهم، وكانت مخالفة لسياسة الخلافة الراشدة التي عرفها المسلمون قبل الحكم الأموي.

ومن ناحية أخرى فقد حصدت معارك الحرب التي نشبت في عهد الإمام علي "ع" عشرات الألوف من المسلمين، كما أعلن معاوية الحرب الاقتصادية على أتباع أهل البيت (عليهم السلام) ، حيث كتب إلى عماله وولاته على جميع البلدان: "انظروا من قامت عليه البينة أنه يحب علياً وأهل بيته فامحوه من الديوان، وأسقطوا عطاءه ورزقه".

هكذا وجد الإمام الحسن(ع) نفسه في مجتمع كثر فيه المعوزون وذوو الحاجات، والضمير الإنساني الذي يحمله الإمام، ومعرفته الحقيقية والكاملة بمبادئ الدين ومقاصده، وموقعيته القيادية كإمام وراع حريص على مصلحة الإسلام والمسلمين.. كل ذلك يجعله في موقع المهتم والمتصدي لهذه الحالة الاجتماعية، ولا يمكنه ان يأخذ موقف اللامبالاة، او الاهتمام الجزئي المحدود، لذا فقد نذر الإمام نفسه، ووظف إمكاناته وما تحت يده، لمساعدة من حوله من فقراء المجتمع ومحتاجيه.

وحينما اضطرته الظروف للصلح مع معاوية، كان مستقبل هؤلاء الفقراء والمحتاجين، وخاصة الذين جاءت معاناتهم كإفراز لتلك الظروف غير العادلة، كان ذلك ماثلاً في تفكيره ورؤيته، لذا نجد الإمام يخصص مادة من بنود اتفاقية الصلح، لمصلحة هؤلاء المتضررين، بالنص على التزامات مالية محدودة.

بالطبع فان معاوية لم يف للإمام بتلك الشروط، ولم ينفذ بنود المعاهدة، لكن الإمام (ع) كان يبذل ما في وسعه لتخفيف معاناة المحتاجين، وينقل المؤرخون بعض الصور والمواقف من سخاء الإمام الحسن (ع) وجوده

 منها أنه "ع" قد جاءه فقير يشكو حاله، ولم يك عنده (ع) في ذلك اليوم شيء فعز عليه الامر، واستحى من رده، فقال  له:« اني ادلك على شيء يحصل لك منه الخير»، فقال الفقير: يا ابن رسول الله ما هو؟ قال :« اذهب للوالي فان ابنته قد توفيت وانقطع عليها، وما سمع من احد تعزية بليغة، فعزه بهذه الكلمات يحصل لك منه الخير»، قال: يا ابن رسول الله حفظني اياها.

قال: قل له: "الحمد لله الذي سترها بجلوسك على قبرها، ولم يهتكها بجلوسها على قبرك"، وحفظ الفقير الكلمات وجاء الى الوالي فعزاه بها، فذهب عنه حزنه، وامر له بجائزة وقال له: اكلامك هذا؟ قال: لا وانما هو كلام الامام الحسن. 

قال: صدقت فإنه معدن الكلام الفصيح وأمر له بجائزة أخرى.

 إن تعاليم الدين واضحة في رفض حالة الفقر ومكافحتها، بنفس درجة رفض الكفر ومقاومته، وإن بقاء الفقراء على حالة الفقر يكشف عن خلل كبير في التوازن الاجتماعي، وعن فقدان العدالة والتكافل، ذلك أن الله تعالى الذي خلق الناس تكفل بمعيشة ورزق كل واحد منهم، بل وكل كائن حي.

 يقول تعالى ﴿ وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا﴾ وهذا الرزق مودع في كنوز الكون وخيراته، فعلى كل إنسان أن يعمل لاستخراج حصته، ولكن من لا تساعده ظروفه الجسمية أو الاجتماعية على أن يأخذ حصته من خيرات الكون مباشرة، هل يسقط حقه ويعيش محروماً؟ كلا مستمعاتي

وإنما فرض الله تعالى على القادرين أن يعطوا ذلك الفقير ما يسد حاجته، يقول تعالى: ﴿ وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ﴾  فإذا امتنع القادرون عن إعطاء الفقراء حاجتهم ومعيشتهم، فذلك ظلم واعتداء.

والمطلوب اذاً ليس فقط تقديم شيء من المساعدة للفقير، وإنما إخراجه من حالة الفقر، وهذا ما نلحظه من سيرة الإمام الحسن  وسيرة أئمة أهل البيت عليهم السلام ، فإذا ما جاءهم فقير، أعطوه بسخاء، ما يستعين به على تسيير أمور حياته؛ فالاهتمام بالفقراء والمحتاجين هو مقياس التدين الصادق، كما يقول تعالى: ﴿ أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ. فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ. وَلاَ يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ﴾

وفي الختام نرفع أيدينا بالدعاء ونقول : اللهم أغن كل فقير وأشبع كل جائع واكسِ كل عريان واقض دين كل مدين، واجر للناس على أيدينا الخير بفضلك وكرمك يا أكرم الأكرمين، وارزقنا اتباع نهج إمامنا الحسن المجتبى (ع)، واتباع سيرته والعمل بتوجيهاته.

 

 

 

 

 

 

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر: برنامج ترانيم الغدق-الحلقة السابعة-الدورة البرامجية66.


 

تحدث معنا
يمكنكم التواصل معنا من خلال التحدث بشكل مباشر من خلال الماسنجر الفوري تحدث معنا