دور المرأة المسلمة في تنشئة الجيل الصالح
2020/11/01
3262

إنَّ بناء الأجيال هو الذخر الباقي لما بعد الموت، وهو لذلك يستحق التشجيع والاهتمام أكثر من بناء القصور والمنازل من الحجارة والطين.
وحيث إنَّ التربية ليست مسؤولية البيت وحده؛ إذ هناك عوامل أخرى تساهم في تربية الأجيال، فسوف نتناول الدور التربوي للمرأة المسلمة في تنشئة الجيل الصالح.

إنَّه حلم يراود كل أم مسلمة تملَّك الإيمان شغاف قلبها، وتربَّع حب الله تعالى وحب رسوله الكريم(ص وآله) على حنايا نفسها، أن ترى ابنها وقد سلك سبل الرشاد، بعيداً عن متاهات الانحراف، يراقب الله في حركاته وسكناته، وأن تجد فلذة كبدها بطلاً يعيد أمجاد أمته أو عالماً متبحراً في أمور الدين، ومبتكراً كل مباح يسهل شأن الدنيا.

إنَّها أمنية كل أم مسلمة، أن يكون ابنها علماً من أعلام الإسلام، يتمثل أمر الله تعالى في أمور حياته كلها، يتطلع إلى ما عنده تعالى من الأجر الجزيل يعيش بالإسلام وللإسلام.

أما الأم التي تحيط أبناءها بالحب والحنان والتدليل وتلبية كل ما يريدون من مطالب سواء الصالح منها أو الطالح، فهي أول من يكتوي بنار الأهواء التي قد تلتهم ما في جعبتها من مال، وما في قلبها من قيم، وما في ضميرها من أواصر؛ فإذا بابنها يبعثر ثروتها، ويهزأ بالمثل العليا والأخلاق النبيلة، ويقطع ما أمر الله به أن يوصل، والأم المدلِّلة أول من يتلقى طعنات الانحراف، وأقسى الطعنات تتمثل في عقوق ابنها.

ما أهم ما يمكن أن تقدمه الأم لأبنائها؟

إنَّ على الأم -قبل كل شيء- الإخلاص لله وحده؛ فقد قال تعالى: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا الله مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ﴾، فاحتسبي ذلك كله عند الله وحده؛ فهو وحده لا يضيع مثقال ذرة، فقد قال جلَّ شأنه: ﴿وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ﴾، فلا تجعلي للشيطان سلطاناً إن قال: أما آن لك أن ترتاحي؟ فالرفاهية والراحة المؤقتة ليست هدفاً لمن جعلت هدفها الجنة ونعيمها المقيم، والأم المسلمة ذات رسالة تؤجر عليها إن أحسنت أداءها بعد ان تحيط بالحلال والحرام وتتعرف على أصول التربية، وتنمّي معلوماتها باستمرار.

قال تعالى: ﴿وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا﴾، فهذا ديننا دين يدعو إلى العلم، فلماذا نحمِّل الإسلام قصور تفكيرنا وتخلفنا عن التعلم، ليقال: إنَّ الإسلام لا يريد تعليم المرأة، فالعلم حصانة عن التردي والانحراف وراء تيارات قد تبهر أضواؤها من لا تعرف السبيل الحق، فتنجرف إلى الهاوية باسم التجديد والتحضر الزائف، والتعليم اللازم للمرأة تفقهاً وأساليب دعوية، ومما تحتاج إليه المرأة في أمور حياتها ليس مجاله التعلم في المدارس فحسب، وإنَّما يمكن تحصيله بكل الطرق المشروعة في المساجد، وفي البيوت، وعن طريق الجيران وفي الزيارات المختلفة، كما لا بد للمرأة من الشعور بالمسؤولية في تربية أولادها وعدم الغفلة والتساهل في توجيههم كسلاً أو تسويفاً أو لا مبالاة.

قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ﴾، فلنجنِّب أنفسنا وأهلينا ما يستوجب النار، فالمحاسبة عسيرة والهول جسيم وجهنم تقول: هل من مزيد؟ ولن ينجي المرأة أنَّها ربَّت ابنها لكونها طاهية طعامه، وغاسلة ثيابه؛ إذ لا بد من إحسان التربية، ولا بد من تربية أبنائها على عقيدة سليمة وتوحيد صافٍ وعبادة مستقيمة وأخلاق سوية وعلم نافع، ولتسأل الأم نفسها: كم من الوقت خصَّصت لمتابعة أولادها؟ وكم حبتهم من جميل رعايتها ورحابة صدرها، وحسن توجيهاتها؟!

علماً بأنَّ النصائح لن تجدي إن لم تكن الأم قدوة حسنة! لذا يجب أن لا يدعى الابن لمكرمة، والأم تعمل بخلافها، وإلّا فكيف تطلب منه لساناً عفيفاً وهو لا يسمع إلّا الشتائم والكلمات النابية تنهال عليه! وكيف تطلب منه احترام الوقت وهي تمضي معظم وقتها في ارتياد الأسواق والثرثرة في الهاتف أو خلال الزيارات!

أختي المؤمنة، إن ابنك وديعة بين يديك، فعليك رعايتها، وتقدير المسؤولية؛ فأنت صاحبة رسالة ستُسأَلين عنها، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ الله مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾.

لذا علينا أن نبدأ بتوجيه الصغير، فإذا أحس الطفل بالقبيح وتجنَّبه، وخاف أن يظهر منه أو فيه، فهذا يعني انَّ نفسه أصبحت مستعدة للتأنيب صالحة للعناية؛ ولهذا يجب أن لا تُهمَل أو تُترَك؛ بل يكون التوجيه المناسب للحدث بلا مبالغة، وإلّا سيفقد التوجيه قيمته، وفي كل تصرف من تصرفات المربية وكل كلمة من كلماتها عليها أن تراقب وتحاسب نفسها لئلا تفوتها الحكمة والموعظة الحسنة، وأن تراعي خصائص النمو في الفترة التي يمر فيها ابنها، فلا تعامله وهو شاب كما كان يعامل في الطفولة لئلا يتعرض للانحراف، وحتى لا توقع أبناءها في متاهات المبادئ في المستقبل، فيتخبّطون بين اللهو والتفاهة، بسبب أخطاء التربية، وما ذلك إلّا للبعد عن التربية الرشيدة التي تسير على هدي تعاليم الإسلام الحنيف؛ لذلك كان تأكيدنا على تنمية معلومات المرأة التربوية لتتمكن من معرفة لماذا توجِّه ابنها؟ وما الطريقة المثلى لذلك؟

1- لا بدَّ من التفاهم بين الأبوين: 

فإن أخطأ أحدهما، فليغض الآخر الطرف عن هذا الخطأ، وليتعاونا على الخير بعيداً عن الخصام والشجار، خاصة أمام الأبناء؛ لئلا يؤدي ذلك إلى قلق الأبناء، ومن ثم عدم استجابتهم لنصح الأبوين.

2- إفشاء روح التدين داخل البيت: 

فالطفل الذي ينشأ في أسرة متدينة سيتفاعل مع الجو الروحي الذي يشيع في أرجائها، كما أنَّ النزعات الدينية والخلقية إن أُرسيَت قواعدها في الطفولة فسوف تستمر في فترة المراهقة ثم مرحلة الرشد عند أكثر الشباب، وإذا قصَّر البيت في التربية الإيمانية، فسوف يتوجه نحو فلسفات ترضي عواطفهم وتشبع نزواتهم ليس إلّا، كما يجب زرع الوازع الديني في نفوس الأبناء، ومن ثم مساعدتهم على حسن اختيار الأصدقاء؛ وذلك بتهيئة الأجواء المناسبة لاختيار الصحبة الصالحة من الجوار الصالح والمدرسة الصالحة، وإعطائهم مناعة تقيهم من مصاحبة الأشرار.

3- الدعاء للولد بالهداية وعدم الدعاء عليه بالسوء: 

عن جابر(رضي الله عنه) قال: قال رسول الله(ص وآله): «لا تدعوا على أنفسكم، ولا تدعوا على أولادكم...»، فينبغي ربط قلب الولد بالله عزَّ وجلَّ لتكون غايته مرضاة الله والفوز بثوابه، فقد قال تعالى: ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ﴾، وهذا الربط يمكن أن تبثَّه الأمهات بالقدوة الطيبة، والكلمة المسؤولة، والمتابعة الحكيمة، والتوجيه الحسن، وتهيئة البيئة المعينة على الخير، حتى إذا كبر الشاب المؤمن تعهّد نفسه، فيتوب عن خطئه إن أخطأ ويلتزم جادة الصواب، ويبتعد عن الدنايا، فتزكو نفسه ويرقى بها إلى مصاف نفوس المهتدين بعقيدة صلبة وعبادة خاشعة ونفسية مستقرة وعقل متفتح واعٍ وجسم قوي البنية، فيحيا بالإسلام وللإسلام، يستسهل الصعاب، ويستعذب المر، ويترك جوانب الدنيا متطلعاً إلى ما أعده الله للمؤمنين المستقيمين على شريعته قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا الله ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ المَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ﴾.

 

 

 

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر: برنامج عالم الأمومة- الحلقة الثانية عشرة.


 

 

تحدث معنا
يمكنكم التواصل معنا من خلال التحدث بشكل مباشر من خلال الماسنجر الفوري تحدث معنا