المنهج التربوي العام في العلاقات الأسرية
2020/03/06
353

مما لا شك فيه إنَّ للمنهج المتبع في الحياة تأثيراً على السلوك، فهو الذي يجعل للإيمان والشعور الباطني حركة سلوكية في الواقع، ويحول هذه الحركة إلى عادة ثابتة، وحيث أنَّ وحدة المنهج تؤدي إلى وحدة السلوك من حيث الابتعاد أو الاقتراب من التعاليم والبرامج الموضوعة؛ فعلى هذا ينبغي على الوالدين الاتفاق على منهج واحد مشترك يحدد لهما العلاقات والأدوار والواجبات في مختلف الجوانب.

والمنهج الإسلامي بقواعده الثابتة من أفضل المناهج التي يجب تثبيتها في الأسرة المسلمة، فهو منهج رباني موضوع من قبل الله تعالى، المهيمن على الحياة بأسرها، لا لبس فيه ولا غموض ولا تعقيد ولا تكليف بما لا يطاق، وهو موضع قبول من الإنسان المسلم والأسرة المسلمة، فجميع التوجيهات والقواعد السلوكية تستمد قوتها وفاعليتها من الله تعالى، وهذه الخاصية تدفع الأسرة إلى الاقتناع باتباع هذا المنهج وتقرير مبادئه في داخلها؛ فلا مجال للنقاش في خطته أو محدوديته أو عدم القدرة على تنفيذه، فهو الكفيل بتحقيق السعادة الأُسرية التي تساعد على تربية الطفل تربية صالحة وسليمة، وإذا حدث خلل في العلاقات أو تقصير في أداء بعض الأدوار، فإنَّ تعاليم المنهج الإسلامي تتدخل لإنهائه وتجاوزه.

ومن أهم واجبات الوالدين إشاعة الود والاستقرار والطمأنينة داخل الأسرة، قال تعالى: ﴿وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾، فالعلاقة بين الزوج والزوجة أو الوالدين هي علاقة مودة ورحمة، وهذه العلاقة تكون سكناً للنفس وهدوءاً للأعصاب وطمأنينةً للروح وراحةً للجسد، وهي رابطة تؤدي إلى تماسك الأسرة وتقوية بنائها واستمرار كيانها الموحد، والمودة والرحمة تؤدي إلى الاحترام المتبادل والتعاون الواقعي في حل جميع المشاكل، وإزالة جميع العوائق الطارئة على الأسرة، وهي ضرورية للتوازن الانفعالي عند الطفل، يقول علماء النفس: «اطمئنان الطفل الشخصي والأساسي يحتاج دائماً إلى تماسك العلاقة بين الوالدين ويحتاج إلى انسجام الاثنين في مواجهة مسؤوليات الحياة»، وقد ركز أهل البيت على إدامة علاقات الألفة والمحبة والمودة داخل الأسرة، وجاءت توصياتهم موجهة إلى الرجل والمرأة على السواء، فقد قال رسول الله(ص)«خَيْرُكُم خَيْرُكُم لِنِسَائِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُم لِنِسَائِي»، وقال الإمام جعفر بن محمد الصادق(ع) رحم الله عبداً أحسن فيما بينه وبين زوجته».

كما وقال رسول الله(ص)«من اتَّخذ زوجةً فليُكرِمها»، فأقوال أهل البيت(ع) وتوصياتهم في الإحسان إلى المرأة وتكريمها عامل مساعد من عوامل إدامة المودة والرحمة، وقد أوصى أهل البيت المرأة أيضاً بما يؤدي إلى إدامة الألفة، ومنها طاعة الزوج، قال رسول الله(ص وآله): "إذا صلَّت المرأة خمسَها، وصامت شهرها، وأحصنت فرجها، وأطاعت بعلَها، فلتدخل من أيِّ أبواب الجنة شاءت».

والمنهج الآخر في العلاقات الأسرية هو مراعاة الحقوق والواجبات، فقد وضع المنهج الإسلامي حقوقاً وواجبات على كل من الزوجين، والمراعاة لها كفيل بإشاعة الاستقرار والطمأنينة في أجواء الأسرة.

ومن أهم حقوق الزوج هو حق القيمومة، حيث قال تعالى في كتابه العزيز: ﴿الرجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ﴾، فالواجب على الزوجة مراعاة هذا الحق؛ لأنَّ الحياة الأسرية لا تسير بلا قوامة، والقوامة للرَّجل منسجمة مع طبيعة الفوارق البدنية والعاطفية لكل من الزوجين، وأن تراعي هذه القوامة في تعاملها مع الأطفال وتشعرهم بمقام والدهم.

ومن المناهج الأخرى تجنب إثارة المشاكل والخلافات؛ لإنَّ المشاكل والخلافات في داخل الأسرة تخلق أجواءاً متوترة ومتشنجة تهدد استقرارها وتماسكها، وقد تؤدي في أغلب الأحيان إلى انفصام العلاقة الزوجية، وتقويض الأسرة، وهي عامل قلق لجميع أفراد الأسرة بما فيهم الأطفال، حيث تؤدي الخلافات والأوضاع المتشنّجة بين الوالدين إلى خلل في الثبات والتوازن العاطفي للطفل في جميع المراحل التي يعيشها بدءاً من أشهر الحمل الأولى والسنين الأولى بعد الولادة إلى المراحل اللاحقة بها، فالشعور بالأمن والاستقرار من أهم العوامل في بناء شخصية الطفل بناءاً سوياً متزناً، وهذا الشعور ينتفي في حالة استمرار الخلافات والعلاقات المتشنجة، فالمنهج الإسلامي مبني على أسلوب الحث والتشجيع على الوقاية من حدوث الخلافات أو معالجة مقدماتها أو معالجتها بعد الحدوث، وأسلوب الردع والذم للممارسات الخلافية، أو التي تؤدي إلى الخلافات، قال رسول الله ص:«خيرُ الرجالِ من أُمَّتي الذين لا يتطاولون على أهليهم، ويحنُّون عليهم، ولا يظلمونهم».

كما حذر الإسلام من الطلاق وإنهاء العلاقة الزوجية؛ للآثار السلبية التي يتركها على الزوجين وعلى الأطفال وعلى المجتمع، فالطلاق مصدر للقلق عند الأطفال ومصدر للإضطراب النفسي والعاطفي والسلوكي، حيث أنَّ الطفل بحاجة إلى الحب والحنان من كلا الوالدين على حد سواء، بل مجرد التفكير بالطلاق يولد القلق والاضطراب في أعماقه، فيبقى في دوامة من المخاوف والاضطرابات التي تنعكس سلباً على ثباته العاطفي وعلى شخصيته السوية، وقد وضع الإسلام منهجاً في العلاقات الزوجية، فحذر من الطلاق في مواضع مختلفة، فقد قال الأمام جعفر الصادق ع:«ما من شيء مما أحلَّه الله عزَّ وجلَّ أبغض إليه من الطلاق، وإنَّ الله يبغض المطلاق الذوّاق».




 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المصدر: برنامج المدرسة الأولى- الحلقة الثالثة- الدورة 27 1435هـ.

 

 


تحدث معنا
يمكنكم التواصل معنا من خلال التحدث بشكل مباشر من خلال الماسنجر الفوري تحدث معنا