نظراً لأن الأولاد هم الثمرة التي يعد إيجادهم أحد الحكم التي من أجلها شرع الزواج وحث الاسلام الانسان للسعي الى الزواج وتكوين الاسرة وحرصاً من الدين الاسلامي على أن ينشأ الطفل نشأة صحيحة فقد إهتم بمسألة للبيئة التي ينشا الطفل خلالها اهتماماً منقطع النظير.
ويقصد بالبيئات الأمكنة التي تتم فيه العملية التربوية لما لتلك البيئات من وظائف تربوية تقوم بها مع التركيز على الصفة التربوية لهذه البيئات وتشمل هذه البيئات الاسرة والمسجد والمدرسة والمجتمع.
ونظراً لكون الأسرة هي المؤسسة الاهم التي يفتح الطفل عينيه في داخلها ويترعرع في كنفها فقد حرص الدين الاسلامي على أن تكون هذه البيئة صالحة كي ينشأ الطفل نشأة صحيحة.
كما حرص على رسم المنهاج الصحيح الذي يجب على كل من الوالدين السير على ضوئه كدستور الهي فيما لو أرادوا الوصول الى افضل النتائج في تربية الاولاد فقد ورد عن الامام علي بن الحسين زين العابدين(ع) في مجال حقوق الابناء قوله: " وأما حق ولدك فتعلم إنه منك ومضاف عليك في عاجل الدنيا بخيره وشره وإنك مسؤول عما وليته من حسن الادب والدلالة على ربه والمعونة له على طاعتك فيك وفي نفسه فمثاب على ذلك ومعاقب فاعمل في أمره عمل المتزين بحسن أثره عليه في عاجل الدنيا المعذر الى ربه فيما بينك وبينه بحسن القيام والاخذ له منه"، فالاسلام حرص كل الحرص على تقديم الافضل في مجال تربية الاولاد والاخذ بيدهم في مدارج الفضيلة والكمال كيما يكونوا من صالحي الابناء الابناء الذين يساهمون مساهمة فعالة في بناء المجتمع الفاضل والسير بعجلته الى الامام.
ما هو سر السعادة للأبناء والاسرة؟
أنه من الامور المطردة في مجالات الحياة كافة هو أن الانسان كي يبدع ويقدم ويكون مصدراً للعطاء في المجال الذي تعمل فيه لا بد أن يشعر بإنسانيته وقيمته بحيث لو صودرت حريته ومحيت شخصيته لنضب عطاؤه.
فشخصية الانسان تتكون منذ الايام
الأولى من حياته فعليه تكون الاسرة العامل الاهم في بناء شخصية
الانسان إذ أنها المؤسسة الوحيدة التي ترافق الانسان منذ الايام
الاولى لحياته وهي مرحلة بناء شخصيته فغرس الايمان الحقيقي في نفوس
الناشئة والايمان المطلق بالله بصفاته الثابتة له وحبه والخضوع له
والخوف منه والالتجاء اليه في كل أمر من الامور الاولى التي يجب أن
تزرع في نفس الشيء وهذه هي أول مراحل بناء الشخصية القائمة على أساس
المنهج الالهي.
ثم بعد الانتهاء من هذه المرحلة
تأتي مرحلة زرع الشعور بالمسؤولية ذلك الذي قلنا بأنه يوفر
الاستقرار النفسي للإنسانويشعره بقيمته ودوره في الحياة مما يجعل
منه مصدراً للعطاء، فالطفل يحتاج في حياته الى الشعور بالمسؤولية
حتى يتحمل مسؤوليته بدلاً من أن يحاول الهروب منها إن كل اب يستطيع
أن يجعل من بيته مدرسة خاصة يتعلم فيها الطفل كي يتخذ قراراً أو
موقفاً محدداً أزاء الاحداث والاشياء وأول ما يحتاجه الاب في مثل
هذه المدرسة هو إيجاد جو من الحرية للطفل يستطيع خلاله من تحكيم
عقله وذلك بأن يتحول الاب في البيت الى صديق موجه بل أن يكون مدرساً
يفرض آراءه على الطفل وكما قال الامام علي(ع): " من كان له صبي
فليتصاب معه" ولا باس من استشارته ولو شكلياً في أمر يتعلق بالجميع
أو بالبيت شرط أن لا يتحرك ذلك في نفسه الشعور بأنهم يضحكون
عليه أو يسخرون منه أو أنهم يستشيرونه ولا ياخذون برأيه".
فإنه من الامور الخطيرة والتي تؤثر سلباً في بناء شخصية الطفل هو إحساسه بان الفرض من ممارسة المشورة معه هو الاستهزاء به وبرايه وهذا الاحساس سيتولد في نفسه حتماً فيما لو لم يؤخذ برأيه وأخذ أمر إهمال رايه مأخذ اللامبالاة.
ففي هذه الحالة وهي نية الاهل عدم تبرير إهمال رأي الطفل الذي استشير يكون عدم المشاورة من الاساس افضل وانفع من المشاورة والاهمال مع عدم التبرير لذلك الاهمال.
فأما أن يشاور الطفل ويوضح له سبب عدم الاخذ برأيه والمساوئ المترتبة عليه وأما أن لا يشاور من الاصل، فالصدق مع الطفل أمر هام جيداً في مسألة تربيته وبناء شخصيته، ثم إن المدح الذي يوجه للطفل فيما لو أحسن يعد أمراً هاماً وحافزاً يحفز الطفل ويدفعه دائماً الى فعل الحسن من الامور ولكن يجب أن يتناسب هذا المدح مع حجم ما يقوم به الطفل لئلا يخلق عنده حالة من التعالي والغرور فيما لو تجاوز الاطراء والمدح حد المعقول وفاق في حجمه حجم العمل الحسن الذي أداه.
القدوة ودوره في حياة الطفل:
غن الطفل وكما اعتيد أن يوصف به يعد
ورقة بيضاء ناصعة بانتظار من يكتب على سطورها لترتكز تلك الكتابة
ركوز النقش على الحجر ولذلك تترتب على الابوين مسؤولية مهمة جداً
ألا وهي مسؤولية الكتابة الجديدة بأن توضع على سطور تلك الورقة
الخالية أعني الطفل.
فالوالدان هما القدوة الاولى التي
يقتدي بها الطفل ويجب أن يحيا فيها في جميع ما تأتيه وما تمتنع عنه
ولذا كان ضرورياً أن يكون الأبوان القدوة الحسنة للطفل في سلوكهما
ثم أن الأبوان يتفاوت مستواهما حسب الرتبة العلمية والخلق السامي
وغيرها من الصفات فهما قدوة للطفل في مرحلة مبكرة من حياته أما لو
اكتملت مدارك الطفل وبدأ يطلع على الحياة من خلال السماع والمطالعة
ويسمع الاسماء الكثيرة ممن يعدون أبطالاً وقد لا يميز من هو البطل
الحقيقي من غيره ومن هو صاحب الفضائل الحقيقي ومن هو فاقدها ولكن
الظروف المختلفة هي التي أضفت عليه محاسن غيره لذا فإن على الوالدين
مسؤولية تمييز من يصح أن يقتدى به ممن يسمع عنهم الطفل من غيره
فخبراء التربية يعتقدون بأن الرجل الذي يمتدحه الأبوان أمام الطفل
يصبح مثالاً يقتدي به الطفل في حياته.
إن إهمال تثقيف ضمير الطفل وترك
تلقينه المبادئ الاخلاقية السامية كفيل بأن يجعل من الطفل الطيب
مجرماً شرساً يحب الاجرام ويعبده فكيف إذا سمع من أبويه تشجيعاً على
الجريمة أو مدحاً لها بصورة مباشرة أو غير مباشرة فاختيار القدوة
أمر على قدر من الاهمية في حياة الطفل فيجب على الابوين توجيه
الأنظار أنظار الاولاد نحو تلك القدوة التي تستحق الاتباع كي يحتذي
الاولاد حذوها من خلل سيرتها الحسنة كما يجب الامتناع عن مدح من هو
ليس أهلاً للمدح والثناء لكيلا يتلقف الاولاد ذلك الاطراء كدليل على
قبول الشخصية الممتدحة.
منهج الام في تربية الاولاد:
نظراً لكون الأم على الاغلب تقضي وقتاً أكثر من الرجل في المنزل وتهيئة متطلباته إن لم تكن تقضي معظم وقتها في المنزل كان الاولاد أشد التصاقاً بالام منهم بالاب.
وبناءً على ذلك يكون للام الدور الاكبر في إمكانية توجيه الاولاد الوجهة الصحيحة وذلك لطول المدة التي تقضيها معهم.
ولذلك أكد الاسلام على ضرورة اختيار الزوجة التي تستحق أن تمنح هذا المنصب الخطير ألا وهو منصب الام كما رسم الاسلام المنهج القويم الذي يجب على الام اتباعه في تعاملها مع الاولاد وهذا المنهج يمكن درجه ضمن نقاط:
1-تزيين السلوك الحسن للولاد وتوجيه انظارهم بالوسائل المتاحة لديها الى حسن انتهاج ذلك السلوك ونتائج ذلك السلوك وىثاره عليهم في الدنيا وفي الآخرة.
2-تقبيح السلوك الخاطئ والمنحرف لهم وصرف أنظارهم ما أمكنها عن ذلك السلوك واطلاعهم على الآثار السيئة والعواقب الوخيمة التي يمكن أن تترتب على السلوك المنحرف والخاطئ.
3-تربية البنات على العفة والطهارة وتشجيعهن للاقتداء بالنساء الخالدات من أمثال الصديقة فاطمة الزهراء(ع) وتحذيرهن من الاقتداء بالنساء اللاتي يشتهرن بانحرافهن الاخلاقي كما تحذرهن من الاستهتار وخلع الحجاب وعدم الاستماع الى ما يثار ضده من الأباطيل من قبل اعدائ الإسلام ومن يحذو حذوهم.
4-الاعتدال في العاطفة وعدم الاسراف في تدليل الأولاد ذلك الذي يقود الى ضعف شخصية الاولاد وعدم ارتقائها الى المرحلة التي تتحمل فيها مسؤولياتها.
5-توجيه أنظار الأولاد الى المكانة التي يحتلها الاب في الاسرة وما يجب عليهم من الاحترام تجاهه والاقتداء به على فرض كونه رجلاً يستحق الاقتداء به وذلك كي يتمكن الاب من أداء دوره في توجيه الاولاد وإصلاح المظاهر الخاطئة في سلوكياتهم.
6-تجنب الاصطدام بالزوج وخاصة أمام
الاولاد لأنه قد يخلق فجوة بينهما تقود الى اضطراب الطفل وخوفه
وقلقه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر: برنامج مرفأ الأسرة -
الحلقة الثالثة - الدورة البرامجية7.
تربية المجتمع عند الإمام باقر (عليه السلام)