النضالُ الاجتماعيُّ والعَمَليُّ للإمام زين العابدين (عليه السلام) / 5 في تربيته لأبنائه
2025/03/06
104
النضالُ الاجتماعيُّ والعَمَليُّ للإمام زين العابدين (عليه السلام) / 5
في تربيته لأبنائه

في طليعة مَن ربّاهم الإمام زين العابدين (عليه السلام) أبناؤه:
- الإمام أبو جعفر محمد الباقر (عليه السلام)، الذي تحمَّل الإمامة من بعده، وقاد الاُمّة إلى الهدى والرشاد، وأسّس المدرسة الفقهيّة على قواعد الإسلام المتينة، ومصادره واُصوله الرصينة، عندما بدأ الحكّام بترويج فقه وعّاظ السلاطين، فحفظ بذلك الشريعة المقدّسة من الزوال.
- وابنه الحسين الأصغر (عليه السلام)، الذي روى عن أبيه العلم، وكان مشاراً إليه في العبادة والصلاح، وأخذ الحديث عن عمّته فاطمة بنت الحسين (عليها السلام)، وأخيه الإمام الباقر (عليه السلام). (الإرشاد، للمفيد: ص269). وقال فيه الإمام الباقر (عليه السلام): «أمَّا الحسين فحليم، يمشي على الأرض هوناً» (حياة الإمام محمد الباقر: 1).
- وابنه العظيم المجاهد في سبيل الله زيد الشهيد (عليه السلام)؛ الذي ضرب أروع الأمثلة في الإباء والحميّة، والفداء والتضحية، وكان عين إخوته -بعد أبي جعفر (عليه السلام)- وأفضلهم، وكان عابداً ورعاً، فقيهاً، سخيّاً، شجاعاً، وظهر بالسيف، يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ويطلب بثارات الحسين (عليه السلام) (الإرشاد، للمفيد: 268).
إنَّ ثورةَ زيدِ بن علي (عليه السلام) كانت عظيمةً من حيث توقيتها، وآثارها التي خلّفتها، لخدمة حقّ أهل البيت (عليهم السلام)، ونستعرض في ما يلي بعضَ ذلك:
1- إنّ هذه الحركة الشجاعة دلّت على أنّ البيت الذي يلد مثل زيد من الرجال، في البطولة والشهامة، والجرأة والإقدام، فضلاً عن العلم والعبادة والتقى، لا يُبنى على التخاذل والمهادنة مع الظالمين، أو الابتعاد عن السياسة والتوجّس من العذاب، والهول من المصائب.
ولو كان لأحد أثر في تربية زيد الشهيد على كلّ تلك الصفات، فليس إلا لأبيه الإمام الطاهر زين العابدين (عليه السلام)، وإلا لأخيه الإمام الباقر (عليه السلام)، اللَّذين علّماه الإسلام بما فيه من تعاليم الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ودرّساه التاريخ بما فيه بطولات جدِّه عليٍّ أمير المؤمنين (عليه السلام) وذكّراه بثارات جدّه الحسين (عليه السلام)، وزقّاه المجد والكرامة، ولقّناه الإباء والحريّة (انظر: طبقات ابن سعد: 5/240).
واستلهم -هو- من حياة أبيه وأخيه، وسيرتهم الحميدة والأصيلة، ونضالهم الصامت والناطق سنن التضحية والفداء، حتّى جعل في مقدمة أهداف ثورته العظيمة: الطلب بثارات الحسين (عليه السلام) في كربلاء. (الإرشاد، للمفيد: 268).
2- إنّ ثورة زيد بن علي (عليه السلام) هي الثمرة اليانعة للجهود السياسية التي بذلها الإمام زين العابدين (عليه السلام)، طول مدة إمامته، فهو الذي تمكّن بتخطيطه الدقيق من استعادة القوى، وتهيئة النفوس، لمثل حركة ابنه الشهيد، وإن صحّ التعبير فهو الذي جيّش لابنه زيد ذلك الجيش المسلّح، الذي فاجأ الظالمين، وزعزع ثقتهم بالحكم الظالم.
فلم يكن الجيش الذي كان مع زيد وليد ساعته، أو يومه، أو شهره، أو سنته، مع تلك المقاومة الباسلة التي أبداها أصحابه وأنصاره. (لاحظ: ثورة زيد، لناجي حسن: ص98).
3- ويكفي زيد بن علي (عليه السلام) عظمةً أنه ضحّى بنفسه في سبيل تعزيز مواقع الأئمة الطاهرين من أهل البيت (عليهم السلام)، فقد كشف للأمويين الطغاة، في مدة حساسة من تاريخ حكمهم، أنّ أهل البيت (عليهم السلام) لا يزالون موجودين في الساحة، ولديهم القدرة الكافية على التحرُّك في أيّ موقعٍ زمنيٍّ، وأيّ موضعٍ من البلاد، وهذا ما جعل الأمويين يهابون الأئمة (عليهم السلام) ويعدّونهم المعارضين الأقوياء، المدافعين عن هذا الدين، على الرغم من جسامة التضحيات التي كانوا يقدّمونها، وأبان الشهيد زيد لكلّ الظالمين أنّ أهل البيت (عليهم السلام) لا يسكتون عمّن يعتدي على كرامة الإسلام، مهما كلّف الثمن.
وبهذا يفسّر قوله لابن أخيه الصادق جعفر بن محمد (عليه السلام) -لما أراد الخروج إلى الكوفة-: «أو ما علمتَ يا ابن أخي أن قائمنا لقاعدنا، وقاعدنا لقائمنا، فإذا خرجتُ أنا وأنت، فمن يخلفنا في حرمنا؟» (مجموع رسائل الإمام الهادي (عليه السلام): ص61).
4- إن قيام الشهيد زيد بن علي (عليه السلام)، بحركته خارج حدود المدينة صرف أنظار الحكّام عن قطب رحى الدين، ومحور فلك الإمامة والقيادة، وهم الأئمة القائمون في المدينة المنوّرة، بحيث تمكّن الإمام الصادق (عليه السلام) من أداء دوره القياديّ، مستفيداً من كلّ الأجواء الإيجابيّة التي خلقتها ثورة عمّه الشهيد زيد ابن علي (عليه السلام)، لينشر علوم آل محمد الحقّة، ويربّي الجيل الإسلامي المؤمن. وكفى ذلك عظمة ومجداً وهدفاً سامياً  5- وكان من ثمرات ثورة زيد بن علي (عليه السلام) أنه أثبت للأمة صدق الدعوى التي يرفع رايتها أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) في الدفاع عن هذا الدين والنضال من أجله، فهذه التضحيات الكبرى أوضح شاهد على ذلك، وكان ذلك تعزيزاً عملياً لمواقع أهل البيت (عليهم السلام) في أوساط الأمّة الإسلامية (عوالم العلوم: ص219).

✍️ السيد محمد رضا الجلالي.

__________________________________________

نشرة الخميس/نشرة أُسبوعيةٌ ثقافيةٌ (مجانية)، تتناولُ المعارفَ القُرآنيةَ، والعقائديةَ، والفِقهيةَ، والتاريخيةَ، والأخلاقيةَ، والتربويةَ، والاجتماعيةَ، والصحيةَ بأُسلوبٍ مبسّطٍ ومختصرٍ، تصدر عن العتبة العباسية المقدسة/ العدد 1025.

تحدث معنا
يمكنكم التواصل معنا من خلال التحدث بشكل مباشر من خلال الماسنجر الفوري تحدث معنا