“حوار بين الأم وطفلها: دروس في التربية من شاشة التلفزيون”

2024/12/23

191
“حوار بين الأم وطفلها: دروس
في التربية من شاشة التلفزيون”
✍ أفياء الحسيني
في مشهد عائلي بسيط، تتجسد مشاعر الأم
وتخوفها على مستقبل أطفالها في مواجهة مع صراعات يومية تتراوح بين
متطلبات الحياة ومشاعر العجز. الأم، التي تعاني في صمت، تُعيد مرارًا
شكواها لزوجها الذي يبدو غافلاً عن معاناتها المستمرة. بينما هي
تستعرض همومها، يكون الأطفال بعيدين، منشغلين في عالمهم الخاص،
متأثرين بتفاصيل الحياة اليومية التي قد تكون ثقيلة على آذان الكبار،
ولكنها تترك أثرًا عميقًا في أرواح الصغار.
وفي خضم تلك الأجواء، ينبثق صوت الطفل
المفاجئ: “ماما، ماما، تعالي اسمعي المذيعة.” عندها، يسود الهدوء في
المكان، ويبدأ الجميع في الاستماع لصوت المذيعة التي تروي واقعًا
تربويًا قد يغيب عن الكثيرين. تقول المذيعة: “يؤدي إهمال الوالدين
لشؤون طفلهم إلى أن يتحول بالتدريج إلى شخص معاند وكثير
الإلحاح.”
يلتقط الطفل هذه الكلمات ويقول لأمه:
“هل سمعتِ ما قالته المذيعة، ماما؟ كي لا تسألين لماذا أنا
مشاكس؟”
أمام هذا الموقف، يعكس الطفل حكمة لا
يعيها الكثيرون، ويُظهر كيف أن معاناة الأهل قد تؤدي إلى تأثيرات
سلبية على أطفالهم إذا لم يتم التعامل معها بحذر ووعي. المذيعة تتابع:
“الحرمان من حنان الأمومة ينتج ميولاً عدوانية وتدميرية، والاحتياجات
الشديدة تدفع الطفل للعناد.”
وبكل براءة، يكمل الطفل حديثه قائلاً:
“كيف تريدون لأطفالكم النجاح، وأنتم تتشاجران ليل نهار، بسبب أو
بدونه؟”
تتوقف الأم عن الشكوى، وتبدأ في
التأمل في كلمات طفلها. إنها لحظة مفصلية، لحظة يختلط فيها الإحساس
بالندم مع الوعي الجديد. وتستمر المذيعة قائلة: “أغلب عناد الأطفال
ومشاكساتهم بسبب عدم صبرهم وعجلتهم. فالطفل العجول عنيد حين لا يحصل
على ما يريد.”
ومع هذه الكلمات، يفقد الطفل الصبر
ويمسك عنوة بجهاز التحكم، ليغير القناة، في إشارة إلى قسوة الواقع
الذي يعيشونه.
هذه الحكاية البسيطة تقدم دروسًا مهمة
في التربية. فهي تذكر الأهل بضرورة التفكر في تأثير سلوكهم على
أطفالهم، وتحثهم على تجنب التوترات العائلية التي قد تؤدي إلى نتائج
عكسية. إن الوعي بما يقوله الأطفال وما يشعرون به، حتى وإن كانت
كلماتهم تبدو بسيطة أو غير مقصودة، قد يكون مفتاحًا لتحسين العلاقة
بين الأهل والأبناء، وتحقيق بيئة صحية ومناسبة لنموهم.