الحياة السعيدة بتكامل الرجل والمرأة / 1 (وجوب تحديد المشاعر)
2024/11/10
41
الحياة السعيدة بتكامل الرجل والمرأة
/ 1
(وجوب تحديد المشاعر)
لا شك في أنّ ثنائية الرجل والمرأة في
الخلق لهي ثنائية رائعة للغاية أريد بها -في ما يهدي إليه التأمل في
الخلق وتؤكده قواعد علم الأحياء التي تبين خصائص الكائنات الحية
وأسرارها- ضمان بقاء النوع الإنساني وإعداد الإنسان لحياة سعيدة
بتكامل الرجل والمرأة.
وقد زُوِّد الإنسان من كلا الجنسين في
فطرته بصفات متنوعة فيما يتعلق بالتعامل مع الجنس الآخر تجعل له شخصية
معتدلة مستقيمة متى كانت فاعلة في نفسه جميعاً كما أريد
لها.
فهناك صفة تحثُّ الإنسان على التواصل
والتفاعل مع الجنس الآخر، وهي مشاعر الانجذاب بين الجنسين، وهذه
المشاعر زُرعت في الإنسان لأجل بقاء النوع الإنساني وتكامل الجنسين
بعضهما ببعض عن طريق تكوين الأسرة.
ولكن هذه المشاعر ليست محددة في حدِّ
نفسها بالغايات الحميدة والمآلات الحكيمة، وإنّما هي غريزة عمياء تسوق
الإنسان إلى إرضائها على سائر الغرائز التي تسوق الإنسان إلى إرضائها
بأيّة وسيلة كانت؛ مثل غزيرة الطعام التي تتحرك عند الجوع وتطلب
الاستجابة له من غير تفريق بين أن يكون الطعام حلالاً أو حراماً،
وغريزة الجاه التي توجب طلب الإنسان للمكانة على أيِّ وجه كان، ولذلك
يجب تحديد هذه المشاعر بحدود راشدة وحكيمة وتذليلها لتكون الاستجابة
لها في الإطار المعقول والحكيم.
وهناك صفات أخرى قد زُوّد بها الإنسان
في خلقه لتساعده على رعاية حدود ملائمة للانجذاب إلى الجنس الآخر
وتجنبه الأضرار المتوقعة من الاسترسال لتتكامل شخصية الإنسان وقوامه
بما يحتاج إليه من جاذبية أحد الجنسين للآخر من جهة، وصيانة الإنسان
عن الاسترسال في الانجذاب والانفتاح على الآخر من جهة أخرى، وهي صفات
ثلاث:
1- صفة الحياء في الإنسان عن الظهور
بمظهر الإغراء للطرف الآخر، سواء عن طريق القول أم الفعل أم المظهر،
وتلك صفة فطرية مشهودة على الإنسان.
وقد كان نصيب المرأة من هذه الصفة
بحسب طبيعة تكوينها أزيد من الرجل؛ لأنّها الأكثر جاذبيةً وإغراءً
للرجل بالمقارنة مع العكس؛ لأنّ صيانتها لنفسها أكثر أهمية؛ لأنّها
مصنع الإنسان ومستودعه، وفي داخلها يتكون النسل الجديد وينمو،
فصيانتها وحفظها سلامةٌ ونقاءٌ وحفاظٌ على النسل.
2- صفة الغيرة على الآخر من الوقوع في
ما لا ينبغي أن يقع فيه، ولا سيّما بالنسبة إلى مَن يكون تحت رعاية
الإنسان، وخاصةً طرف العلاقة معه -من زوجة أو زوج-، وهي صفة فطرية
مشهودة بوضوح عند تأمل مشاعر الإنسان تجاه من يرعاه.
وقد كان نصيب الرجل من هذه الصفة بحسب
طبيعة تكوينه أزيد من المرأة، لما زُوِّد به من اهتمام بالمرأة
وقوامية بشأنها.
3- الشعور برقي التعالي عن التصرفات
الخاطئة والأخرى الممهدة لها والموجبة للانزلاق إليها، مثل الحرية في
العلائق، وبِضِعَّة تلك التصرفات والسلوكيات غير المنضبطة، وتلك حالة
يجدها الناس بفطرتهم حتى في المجتمعات التي تسعى أن تروج الحرية
الشخصية في هذا الشأن، فلا يزال الناس يشمئزون من التصرفات المريبة
والعلاقات الخاطئة وينظرون إلى صاحبها بالضِعَة والانحدار والسقوط
وينظرون إلى الضابط لنفسه الراعي للوقار بنظرة الرُقي والاحترام
والتقدير والإكبار.
فتلك صفات نفسية زُرعت في باطن
الإنسان لتهديه إلى السلوك الصحيح وتساعده على اتخاذ هَدْيٍ ملائم،
وهي صفة مشهودة في عامة المجتمعات الإنسانية حتى في المجتمعات التي لا
تقر بهذه الصفات نظرياً إقراراً مناسباً وتروج للحرية الشخصية في
مستوى يضعف الحياء ويمانع الغيرة وينفي التعالي.
✍️ السيد محمد باقر
السيستاني
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نشرة الخميس/ نشرة أُسبوعيةٌ ثقافيةٌ
(مجانية) تصدر عن العتبة العباسية المقدسة/ العدد1009.