مهر الزوجة: بين القيمة الاجتماعية والتحديات الأخلاقية
2024/10/28
34
مهر الزوجة: بين القيمة الاجتماعية والتحديات الأخلاقية

تبارك صباح 
أصبحت قضية المهور الباهظة والتكاليف العالية المرتبطة بها محط نقاش واسع في مجتمعاتنا. هذه العادة التي باتت عبئًا على كاهل الأزواج الشباب، تثير الكثير من التساؤلات حول طبيعة الأهداف الحقيقية وراء هذه التكاليف. هل تعكس مكانة اجتماعية مرموقة لعائلة 
العروس، أم أنها محاولة لتعزيز الشعور بالفخر والتباهي بين العائلات؟ وهل يمكننا فعلًا أن نرى في هذه التكاليف المرتفعة أي جانب من جوانب السعادة الحقيقية؟ أم أن المسألة باتت تتعلق بمظاهر خادعة لا تضيف شيئًا سوى الأعباء المالية؟

يشعر كثيرون أن الطلب على المهور المرتفعة وتكاليف الزواج الباهظة بات يضع الزواج في سياق مختلف، حيث تُعتبر العروس أحيانًا وكأنها "سلعة" تُباع وتُشترى وفق معايير غير عادلة. الأب الذي يشترط مهرًا مرتفعًا لابنته قد ينطلق من اعتقادٍ بأن ذلك يعزز من قيمة العائلة أو من مكانة ابنته، لكنه يغفل أن هذه التكاليف قد تنعكس سلبيًا على مستقبلها. في كثير من الأحيان، يتعرض الأزواج لضغوط مالية مرهقة منذ بداية حياتهم الزوجية، مما يؤثر على الاستقرار العاطفي والاجتماعي للأسرة.

من جانب آخر، لا يمكن إغفال الجانب الديني في هذه القضية. فالإسلام، على سبيل المثال، يشجع على التيسير في الزواج ويحث على الابتعاد عن التكاليف المبالغ فيها. لقد كانت تعاليم الدين واضحة في دعم الزواج بوصفه علاقة تقوم على المحبة والمودة، وليس على أساس التكاليف الباهظة. ولعلّ في ذلك دعوة لإعادة النظر في مفهوم المهر، بحيث يصبح مجرد رمز للعلاقة الزوجية، وليس عبئًا ماليًا يثقل كاهل الأزواج.

لكن يبقى السؤال مطروحًا: لماذا تُصر بعض العائلات على اتباع هذا النهج الذي يضعف من مفهوم الزواج؟ يبدو أن هذه العادات والتقاليد العمياء مستمرة في التغلغل داخل المجتمع، مُتحججةً برغبة الأهل في الحفاظ على "كرامة العائلة". وبمرور الزمن، أصبحت هذه العادات جزءًا من منظومة اجتماعية تُقيّد حرية الأفراد وتدفع الشباب إلى تأخير الزواج، أو حتى التخلي عنه أحيانًا.

هل هناك حل لهذه الظاهرة؟ أم أن الحلول غائبة؟ بالتأكيد، يمكن اتخاذ خطوات جريئة تبدأ بتوعية المجتمع حول أهمية الزواج وتيسير تكاليفه، والعمل على تغيير الثقافة التي تربط بين قيمة العروس وارتفاع مهرها. قد يكون من واجب المؤسسات الاجتماعية والتعليمية والدينية أن تتدخل لنشر الوعي، وإبراز أن القيم الحقيقية للزواج تتعلق بالمسؤولية والاحترام وليس بالأموال التي تُدفع كمهور.

إعادة النظر في تقاليد الزواج وضبط مفهوم المهر ليكون رمزًا لا عبئًا قد يكون الخطوة الأولى نحو خلق مجتمع عادل ينظر إلى الزواج كعلاقة مقدسة ومشروع حياة، لا كتحدٍ مالي يُكبل الشباب.
تحدث معنا
يمكنكم التواصل معنا من خلال التحدث بشكل مباشر من خلال الماسنجر الفوري تحدث معنا