دور الإسلام في الحفاظ على صحتنا وسلامتنا
2019/11/14
513

كل تشريعات الإسلام تصب في مصلحة وسلامة الإنسان، فالصلاة فيها فوائد تربوية وصحية لنا، والصوم تكمن فيه سلامتنا من كثير من الأمراض، وكذا الحج فيه ما فيه من فوائد صحية وتربوية لنا، وعلى هذا فإنَّ الله سبحانه وتعالى حرص على هذا الإنسان أيّما حرص، فقد أرسل تبارك وتعالى الأنبياء والرسل(عليهم السلام) ليعلِّمونا أمور الدِّين ويرشدونا نحو الطريق السليم، ولم يقتصر الأمر على هذا فحسب، بل تعدّاه إلى إرشادنا إلى كل ما يقينا ويحافظ على صحتنا، سواء من المرض الجسدي، أو المرض النفسي، وهذا الإرشاد تارة يكون من خلال الخطاب الإلهي مباشرة أو من خلال النبي المرسل، كما ورد عن نبينا محمد(ص) من أحاديث شريفة فيها الكثير مما فيه خير للإنسان وعائد على صحته الجسمية والنفسية بالمنفعة، فمثلاً ما ورد من آيات وأحاديث حول فريضة الحج في وقت مخصوص، ومكان مخصوص فيهما دلالة على أنَّ هذه الشعيرة تخدم الإنسان من الناحية التربوية والصحية، فالحج في البلد الحرام هو اختيار الله سبحانه وتعالى؛ إذ اختار ذلك البلد وجعله مناسك لعباده، وأوجب عليهم الإتيان من القرب والبعد ومن كل فج عميق، وشرط عليهم أن لا يدخلوه إلا متواضعين متخشعين متذللين كاشفي رؤوسهم، متجردين عن لباس أهل الدنيا، وجعله حرماً آمناً، وحقيقة الأمر لو لم يكن البلد الأمين خير بلاده وأحبها إليه ومختاره من البلاد، لما جعل عرصاتها مناسك لعباده فرض عليهم قصدها، وجعل ذلك من فروض الإسلام المؤكد عليها، وأقسم به في كتابه العزيز في موضعين منه فقال تعالى: ﴿وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ﴾، وأيضاً قال تعالى: ﴿لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ﴾.
ومن خصائص مكة المكرمة أنَّها قبلة لأهل الأرض كلهم، فليس على وجه الأرض قبلة غيرها، ومن خواصها أيضاً أنَّها أول مسجد وضع في الأرض، ومما يدل على تفضيلها أنَّ الله سبحانه وتعالى أخبر أنَّها أم القرى، وهي أصل القرى، وفيها بيت الله المبارك يقول الله تبارك وتعالى:﴿ إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ﴾، فهو عز وجل يخبر أنَّ أول بيت وضع للناس، أي عموم الناس ليمارسون فيه عبادتهم ونسكهم ويطوفون به ويصلون إليه ويعتكفون عنده للذي ببكة يعني الكعبة التي بناها إبراهيم الخليل(ع)، فهو أول بيت وضع للعبادة، وليس أول بيت وضع في الأرض، فقد روي عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(ع): «أنَّ رجلاً قال له: ألا تخبرني عن البيت، أهو أول بيت وضع في الأرض؟ قال(ع): لا، ولكنه أول بيت وضع للناس فيه البركة والهدى، ومقام إبراهيم، ومن دخله كان آمناً».

إنَّ بيت الله المبارك لم يزره زائر إلا ورجع معافى روحياً ونفسياً وجسدياً، لذا تشريع زيارته وأداء المناسك تعود بمنفعة ليس لها حدود يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ﴾.
فبمجرد أن يقع بصر الإنسان على الكعبة المشرفة ويراها يشعر باطمئنان عجيب وغريب، لم يكن يشعر به من قبل، ويجد راحة نفسية، وهدوءاً نفسياً، لا يعادلهما أي شيء، وتتجلى صحته النفسية وتكون في ذروتها، وعندئذ تكون صحته النفسية في أعلى مستوياتها، فهو يكون في المكان الآمن، وبجوار بيت الله العتيق، وقريب من الله سبحانه وتعالى، يقول الله جل وعلا: ﴿ قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ﴾، فالإنسان عندما يكون داخل الحرم الشريف وبالقرب من الكعبة المشرفة، ويشاهد ما فيه من الآيات العظيمة، فيكون في قمة نشوته فتتماثل صحته للشفاء، حتى أنَّ ذلك ينعكس على نفسيته فتزداد طاقته وصحته البدنية، حتى أنَّنا نرى الكبير في السن والطفل والمرأة يطوفون حول الكعبة جميعاً متحملين المشقة والتعب الحاصل من الازدحام، وفوق ذلك لا يؤذون أحداً، وكل فرد يحاول أن لا يكون سبباً في جلب المتاعب لأحد من الطائفين، ولا تنظر أعينهم إلا إلى آيات الله في هذا المكان، وأما ألسنتهم فتراها تلهج بذكر الله والدعاء، ثم يتحول هؤلاء الذين كانوا قبل دخولهم إلى المسجد الحرام لا يستطيعون السير أو المزاحمة إلى الجري بين الصفا والمروة سبع مرات، فمن أعطاهم هذه القوة والصحة؟ إنَّه الله سبحانه ولكن هذه القوة والصحة جاءتهم بفضل تحسن صحتهم النفسية، والتي كانت بسبب دخولهم إلى الحرم الشريف ورؤية الكعبة المشرفة، وللِّجوء إليه تعالى أثر نفسي إيجابي عال، لا يعرفه إلا من عايشه، وإنَّ من فرط الذكر والدعاء تزداد الصحة تحسناً عند الإنسان بشكل كبير ويصبح في أعلى مستويات الصحة، وهكذا نجد الحاج تتحسن صحته وتزول كل علله حتى النفسية منها، وبعد عودته من حجه أو من العمرة نجد معظم علله قد زالت، وذلك بفضل الله، لما في زيارة بيت الله من البركة، فنكاد نجزم أنَّ كل من لديه علة سواء أكانت تلك العلة جسدية أم نفسية، أو كان يشعر بتعب أو ألم جسدي أو نفسي سوف يصبح في أعلى مستويات الصحة.

إنَّ رحلة الزيارة إلى بيت الله سواء بموسم الحج أو في أثناء العمرة، على ما فيها من مشقة وتعب وغربة وصعوبات، فإنَّها كانت وستبقى تلك الرحلة حلم كل مؤمن لما يجده في تلك الرحلة من الراحة النفسية الكبيرة بعد الحج، وكذا بعد العمرة، والغريب أنَّنا إذا سألنا أيَّ حاج قدم حديثاً من الأراضي المقدسة، وقلنا له ما رأيك بالعمل الذي قمت به، فسيقول على الفور: «أتمنى أن أحجَّ إلى بيت الله كل عام!!»، فما هو سر هذه الراحة النفسية التي يلمسها كل إنسان ذهب لأداء هذه الفريضة؟

إنَّ الجواب بسيط وهو أنَّ هذه العبادة إذا أداها الإنسان بشكل صحيح، فإنَّها تقوم بعملية تشبه عملية «التهيئة»، أو تفريغ الشحنات السلبية وإعادة الشحن بالشاحنات الإيجابية، وقد نجد في هذه الكلمة تعبيراً مفيداً؛ لأنَّ جهاز الكمبيوتر يحتاج إلى عملية «التهيئة» بين فترة وأخرى.

إنَّ الحج يفرغ ما يحمله الإنسان من ذنوب وأخطاء، هذا من جهة ومن جهة يرجع الإنسان مرتاحاً؛ وذلك لأنَّه يرجع مشافى من كل مرض بعد أن يكون قد ارتوى من ماء زمزم الذي ثبت طبياً أنَّه خالٍ تماماً من أي فيروسات أو بكتريا أو كائنات دقيقة، وثبت أيضاً أنَّه يشفي من الأمراض المستعصية، بل أنَّ هناك دلائل تشير إلى أنَّ ماء زمزم يحوي طاقة أكبر من الماء العادي، وربما تعجز الصفحات عن سرد قصص كثيرة لأناس يئس الطب من شفائهم، وعندما جاءوا للحجِّ أو العمرة وأخلصوا النية وشربوا من هذا الماء بقصد الشفاء شفاهم الله تعالى.
 

 

 

 

 

 

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر: ينبوع العافية- الحلقة الثامنة - الدورة البرامجية 24


 

تحدث معنا
يمكنكم التواصل معنا من خلال التحدث بشكل مباشر من خلال الماسنجر الفوري تحدث معنا