الأسرة.. اختلاف الأدوار ووحدة الهدف
2024/06/20
219

إن من أروع العلاقات الإنسانية وأسماها هي تلك العلاقة الزوجية التي تربط بين الرجل والمرأة ليكوّنا مع أولادهم مؤسّسة صغيرة بكيانها كبيرة في معناها الاجتماعي، ونجاح هذه المؤسسة العظيمة يكمن في مدى قيام كل فرد من هذه الأسرة بدوره الصحيح، ومدى احترام الجميع لهذا الدور مهما كان صغيراً أو كبيراً، فيكمل بعضهم بعضاً.

ولقد اهتم الإسلام اهتماماً بالغاً في الأسرة، بدءاً من اختيار الزوج وحتى توزيع الأدوار بين الزوجين، وكذلك بينهما وبين أولادهما والعكس، بل حتى بين الأولاد أنفسهم.. وإذا ما قام كل بدوره فهذا يفضي إلى استقرار الأسرة واستمرارها بسعادة، وهذا بدوره ينعكس إيجاباً على المجتمع؛ لأنها الأسرة تشكّل اللبنة الأولى له، فإذا صلحت صلح المجتمع وإذا فسدت فسد المجتمع وانهار، فيكون لقمة سائغة للذئاب البشرية بالاستيلاء عليه وعلى مقدراته وانتهاش جسده العليل!

لذا علينا إذا ما أردنا أن يكون مجتمعنا قوياً ومتماسكاً الاهتمام الكبير في تقوية أواصر الأسرة والمساهمة في وعيها أخلاقياً وفكرياً وثقافياً.. فهذه الأمور هي عماد المجتمع وقوّته، وفي الوقت ذاته على أرباب الأسر الاهتمام الكبير بأبنائهم وتحصينهم من مرديات الزمن وعادياته.

والأسرة السعيدة هي تلك التي تحترم وتقدّر دور كل فرد من أفرادها، فالقيادة تكون بيد الأب وهو المتكفل بإعالة أسرته والمتصدّي لحمايتها وتوفير الأمان لها واحتضانها بالدفء والحنان، وفي الوقت نفسه يكون البوصلة المرشدة إلى الطريق الموصل إلى برّ الأمان، مع الرقابة القريبة والبعيدة، فيكون صارماً في مواضع تستدعي ذلك، وليناً وعطوفاً في مواطن أخرى..

أما المسؤولية الكبرى تقع على عاتق الأم التي تقوم بأدوار كبيرة وجسيمة -فهي في أسرتها وزيرة: الصحة والتربية والتعليم والشؤون المالية والغذائية والشؤون المنزلية والتنظيم والصناعة ومديرة الأعمال والعلاقات الداخلية والخارجية ومسؤولة عن النظافة والتنظيف في سبيل استقرار الأسرة وسعادتها؛ كونها رفيقة الأولاد على مدى ساعات طويلة من اليوم، هي بحق مدرسة عظيمة تتخرّج من تحت يديها الأجيال، فإن صلح دورها صلح الجيل وإن أخلّت بواجباتها اختل الجيل واعتل!

لهذا ترى كثيراً من الأسر التي لا يمارس أفرادها أدوارهم بالشكل الصحيح أو يتبادلون أدوارهم بحيث يقفز أحدهم على دور الآخر فيسلبه حقه -سواء بإرادته أم لا- يصيبها الخلل وتكون متزعزعة ومتخلخلة لا تصمد أمام التحدّيات والصعوبات، وقد تتفكك وتصل إلى الانفصال، مما ينتج عنه مجتمعاً غير مستقرّ ومستعداً إلى تقبّل الأفكار والثقافات الدخيلة الغريبة عن مبادئه وأخلاقه وقيمه الأصيلة!

ومثلما للأب والأم دورهما في الأسرة كذلك الأولاد، فبالإضافة إلى دورهم الرئيس في برّ الوالدين وإطاعتهما، لا بد من أن يكون لكل واحد منهم دوره الخاص الذي على إثره تتكوّن شخصيته، وهنا يكون للوالدين الأثر الأكبر في بناء هذه الشخصية وتشجيعها، فكل واحد منهم يتميّز بجهة معيّنة عن إخوته؛ كأن يكون: عقلانياً، أو لطيفاً، أو مصلحاً، أو متفوقاً، أو مساعداً.. وعلى الآخرين احترام هذه الميزة الإيجابية وعدم الاستهزاء بها مهما كانت صغيرة أو ضئيلة، وعلى الوالدين أن يفهّموا أولادهم أن الأسرة كالمجتمع يحتاج كل واحد منهم للآخر ويكمله، ومهما كان دور الفرد في المجتمع وإن كان صغيراً فهو يسهم إيجاباً في تكامله.. كذلك الأسرة.

وعلى هذا فالمفروض من الأبناء أنفسهم أن يقدّروا دورهم وأن لا يكون دورهم سلبياً؛ كأن يكون أحدهم: متشائماً، أو منعزلاً، أو صامتاً، أو محتالاً، أو مستهتراً، أو منافقاً، أو كاذباً..

ومثلما للوالدين الأثر الكبير في تحديد دور الأولاد الإيجابي كذلك للمجتمع أثره في تحديد هذا الدور وتكوين شخصيتهم.. فعلى المجتمع أن يقوم بدوره الفاعل الإيجابي في بناء شخصية الأولاد وتنمية أدوارهم، ولا بد هنا من تدخّل الوالدين في اختيار الجو الاجتماعي المناسب للأولاد؛ من منطقة سكنى، وأصدقاء، ومدرسة.. لأن له الأثر الكبير على تربية الأولاد وثقافتهم، وبالتالي في تحديد أدوارهم في الأسرة ومستقبلاً في المجتمع.

إذن قوة الأسرة واستقرارها يرتبط ارتباطاً كبيراً بالأدوار التي يختارها أفرادها ويقوم بها، فإن كانت تلك الأدوار إيجابية تظهر النتائج بلا شك إيجابية، وإن كانت سلبية تكون كذلك!

وهذا هو سرّ نجاح العائلة وتماسكها، إذا ما أدّت أدوارها بالشكل الصحيح، وتفشل وتتفكك إذا ما تداخلت الأدوار بشكل عشوائي وفوضوي!
ومن هنا نفهم سرّ اختلاف الأدوار في المجتمع سواء الإيجابية منها أم السلبية! ومن هنا تظهر قوّة المجتمع أو ضعفه، تبعاً لمدى وعي أفراده وثقافته ومدى تمسكه بمبادئه وأخلاقه وقيمه.

 

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نشرة الخميس/ نشرة أُسبوعيةٌ ثقافيةٌ (مجانية) تصدر عن العتبة العباسية المقدسة/ العدد 986.
علي عبد الجواد

تحدث معنا
يمكنكم التواصل معنا من خلال التحدث بشكل مباشر من خلال الماسنجر الفوري تحدث معنا